د. ظافر محمد العجمي –المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج
كانت الحرب الباردة هي عصر القضايا الدولية العابرة للحدود بعنف. وقد خسرها الشيوعيون لضيق الإطار التحليلي الذي تبنوه في تعاملهم مع تلك القضايا. ومن ذلك أن الكويت فشلت في الانضمام للأمم المتحدة منذ استقلالها في 19 يونيو 1961م حتى 14 مايو 1963م نتيجة استخدام الاتحاد السوفيتي حق النقض «الفيتو»، الذي اعتبر أن استقلال الكويت مؤامرة إمبريالية. وفي الأزمة السورية الراهنة نجد أن التفكير الصيني الروسي «Sino-Russian» لا يزال حبيس نفس الإطار التحليلي الذي تبناه أجدادهم البلاشفة والماويين قبل ستين عاما. لذا استخدمت روسيا والصين الفيتو لعرقلة صدور قرار في مجلس الأمن يندد بأعمال العنف هناك. كما نجد الخليجيين في الأزمة نفسها وجها لوجه مع هذا الموقف المشين من موسكو وبكين.
لقد وصفت دول مجلس التعاون على لسان الأمير سعود الفيصل الصين وروسيا «بالذين أظهروا دعمهم للمبادرة العربية، ثم استهانوا بدماء الشعب السوري، وما لبثوا أن عوقوا الجهود التي بذلت لأجل وضع حد لعمليات القتل اليومي». كما تلقى وزير خارجية روسيا تقريعا مماثلا من رئيس مجلس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني.
نعلم أن الروس والصينيين يخشون من تحول المشرق العربي إلى امتداد لحلف شمال الأطلسي، وفي ذلك مؤشر على استمرار أعراض قصور الإطار التحليلي لدى صانع القرار هناك، فالواقع يقول إن الخليج العربي أصلا هو امتداد لحلف الناتو ضمن مبادرة اسطنبول منذ 2004م وما القواعد والتسهيلات العسكرية الأميركية والبريطانية والفرنسية التي ترصع الساحل الخليجي إلا ختم الثقة بجدوى التعاون الخليجي الغربي لحفظ أمن الخليج العربي. ويعود الموقف الصيني المناهض لتطلعات الشعوب العربية من القضية السورية إلى أسباب استراتيجية بعيدة عن الشرق الأوسط، وتدخل في نفس الإطار المستخدم من قبل الروس، فالموقف الصيني لا يعدو عن كونه مناكفة للولايات المتحدة الأميركية التي ترى بكين أنها تدس أنفها في نزاعات بحر الصين، حيث وقعت اتفاقيات مثيرة لقلق بكين مع دول على ذلك البحر، وزاد الطين بلة التواجد العسكري الأميركي الأخير في أستراليا. أما أسباب الفيتو الروسي فمنها أن نظام الأسد هو حليف موسكو الأوحد في المنطقة، بالإضافة إلى حصولها على القاعدة الروسية الوحيدة في المنطقة. كما تخشى مستقبل العلاقات الروسية السورية في حال وصول الإسلاميين إلى الحكم. وترجمت القرار على أنه سيكون خطوة لدخول قوات الناتو لدمشق. كما صدر القرار في زمن تطلب من فلاديمير بوتن إظهار قوته داخليا وخارجيا حتى ينجح في الانتخابات. لكن أهم أسباب تمسك موسكو بدمشق وهو نفسه مفتاح دخول الخليجيين للكرملين، الشراكة الاقتصادية بين موسكو ودمشق. فقد وقعت موسكو ودمشق عقد تسلح بقيمة 4 مليارات دولار، ففي 2011م فقط حصلت دمشق على أسلحة بقيمة 700 مليون دولار، كما وافقت موسكو في ذلك العام على بيع 36 طائرة مقاتلة بقيمة 550 مليون دولار. من جهة أخرى تبلغ قيمة الاستثمارات الروسية في سوريا 20 مليون دولار منها مشروع غاز تديره شركات روسية.
ولا يبدو أن أخلاقيات العالم المتحضر في حق حماية المدنيين تهز شعرة واحدة في ظهر الدب الروسي أو التنين الصيني، ولضبط اتزان تقرب هذين الوحشين من الأزمة السورية بما يخدم أمن الخليج يجب إدراك أن أكبر الأبواب ضخامة له مفاتيح صغيرة. وبما أن بقاء سوريا كأحد أقواس الدفاع عن أمن الخليج -وليس كثغرة إيرانية- هو هدف استراتيجي خليجي ملح لذا يجب البحث عن مفاتيح صغيرة لنكيف موقف موسكو وبكين مع استراتيجيتنا. من تلك المفاتيح الصغيرة التبادل التجاري بين روسيا والخليج والذي قدر بـ400 مليون دولار في عام 1999 ثم ملياري دولار في عام 2008، لتصل إلى 6 مليارات دولار كما قال ألكسندر براتياكوف المستشار التجاري في سفارة روسيا بالإمارات، ولعل الخطوة الأولى لتحريك المفتاح الاقتصادي إحياء المنتدى الاقتصادي لرجال الأعمال الروس، أو مجلس الأعمال الروسي العربي الذي يأتي تحت مظلته 14 مجلسا ثنائيا روسيا عربيا، كان آخرها المجلس الروسي القطري، حيث وطد الغاز العلاقات الخليجية الروسية
ومع التحول الدرامي في آليات بناء العلاقات الدولية مؤخرا وظهور القوة الناعمة كقوة ضغط فاعلة، نلتفت إلى المفتاح الصغير الثاني حين نتذكر مزاج حكومة طهران عندما كدره قبل عام تركيز هيئة الإذاعة البريطانية لبرامجها الموجهة لإيران، مما جعل حكومة نجاد تستهدف عائلات الصحافيين الإيرانيين العاملين في «بي.بي.سي» الفارسية. ولن تلتفت بكين وموسكو إلى قدرات دول الخليج الناعمة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية المتمثلة في جوار إقليمي آمن عبر إسقاط حليف طهران في دمشق إلا حين تجد أن آلة الإعلام الخليجية التي أسقطت أربعة أنظمة فاسدة، قادرة على مخاطبة الشارع في إقليم شينجيانغ «Xinjiang» ذي الأغلبية المسلمة في الصين بلغتهم. وفي إقليم الشيشان «Chechnya»، فما زال فتية خليجيون يضعون صور المقاتل الخليجي سامر السويلم المعروف باسم «خطاب» في منتدياتهم، إلى جانب صور القائد الشيشاني شامل باساييف، مما يظهر أن روح التضامن مع الشيشان ما زالت حية خليجيا.
لقد أدى ضيق الإطار التحليلي الذي تبنته موسكو لمجمل قضايا المنطقة أن مكاسبها البخسة نظير استقلال الكويت انحصرت في الستينيات بافتتاح سفارة لها وسفارات لدول الكتلة الشرقية، حيث كانت جل أعمال سفارات بولندا وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا هي إصدار فيزا لسياحة المراهقين من شبابنا الباحثين عن اللهو الرخيص في السبعينيات، في حين قفزت الكويت في القارب الرأسمالي وكانت إحدى قلاع الإسترليني القوية. فهل يهز أحد في الخليج تلك المفاتيح الصغيرة فقد تسمع موسكو وبكين رنينها!
نعلم أن الروس والصينيين يخشون من تحول المشرق العربي إلى امتداد لحلف شمال الأطلسي، وفي ذلك مؤشر على استمرار أعراض قصور الإطار التحليلي لدى صانع القرار هناك، فالواقع يقول إن الخليج العربي أصلا هو امتداد لحلف الناتو ضمن مبادرة اسطنبول منذ 2004م وما القواعد والتسهيلات العسكرية الأميركية والبريطانية والفرنسية التي ترصع الساحل الخليجي إلا ختم الثقة بجدوى التعاون الخليجي الغربي لحفظ أمن الخليج العربي. ويعود الموقف الصيني المناهض لتطلعات الشعوب العربية من القضية السورية إلى أسباب استراتيجية بعيدة عن الشرق الأوسط، وتدخل في نفس الإطار المستخدم من قبل الروس، فالموقف الصيني لا يعدو عن كونه مناكفة للولايات المتحدة الأميركية التي ترى بكين أنها تدس أنفها في نزاعات بحر الصين، حيث وقعت اتفاقيات مثيرة لقلق بكين مع دول على ذلك البحر، وزاد الطين بلة التواجد العسكري الأميركي الأخير في أستراليا. أما أسباب الفيتو الروسي فمنها أن نظام الأسد هو حليف موسكو الأوحد في المنطقة، بالإضافة إلى حصولها على القاعدة الروسية الوحيدة في المنطقة. كما تخشى مستقبل العلاقات الروسية السورية في حال وصول الإسلاميين إلى الحكم. وترجمت القرار على أنه سيكون خطوة لدخول قوات الناتو لدمشق. كما صدر القرار في زمن تطلب من فلاديمير بوتن إظهار قوته داخليا وخارجيا حتى ينجح في الانتخابات. لكن أهم أسباب تمسك موسكو بدمشق وهو نفسه مفتاح دخول الخليجيين للكرملين، الشراكة الاقتصادية بين موسكو ودمشق. فقد وقعت موسكو ودمشق عقد تسلح بقيمة 4 مليارات دولار، ففي 2011م فقط حصلت دمشق على أسلحة بقيمة 700 مليون دولار، كما وافقت موسكو في ذلك العام على بيع 36 طائرة مقاتلة بقيمة 550 مليون دولار. من جهة أخرى تبلغ قيمة الاستثمارات الروسية في سوريا 20 مليون دولار منها مشروع غاز تديره شركات روسية.
ولا يبدو أن أخلاقيات العالم المتحضر في حق حماية المدنيين تهز شعرة واحدة في ظهر الدب الروسي أو التنين الصيني، ولضبط اتزان تقرب هذين الوحشين من الأزمة السورية بما يخدم أمن الخليج يجب إدراك أن أكبر الأبواب ضخامة له مفاتيح صغيرة. وبما أن بقاء سوريا كأحد أقواس الدفاع عن أمن الخليج -وليس كثغرة إيرانية- هو هدف استراتيجي خليجي ملح لذا يجب البحث عن مفاتيح صغيرة لنكيف موقف موسكو وبكين مع استراتيجيتنا. من تلك المفاتيح الصغيرة التبادل التجاري بين روسيا والخليج والذي قدر بـ400 مليون دولار في عام 1999 ثم ملياري دولار في عام 2008، لتصل إلى 6 مليارات دولار كما قال ألكسندر براتياكوف المستشار التجاري في سفارة روسيا بالإمارات، ولعل الخطوة الأولى لتحريك المفتاح الاقتصادي إحياء المنتدى الاقتصادي لرجال الأعمال الروس، أو مجلس الأعمال الروسي العربي الذي يأتي تحت مظلته 14 مجلسا ثنائيا روسيا عربيا، كان آخرها المجلس الروسي القطري، حيث وطد الغاز العلاقات الخليجية الروسية
ومع التحول الدرامي في آليات بناء العلاقات الدولية مؤخرا وظهور القوة الناعمة كقوة ضغط فاعلة، نلتفت إلى المفتاح الصغير الثاني حين نتذكر مزاج حكومة طهران عندما كدره قبل عام تركيز هيئة الإذاعة البريطانية لبرامجها الموجهة لإيران، مما جعل حكومة نجاد تستهدف عائلات الصحافيين الإيرانيين العاملين في «بي.بي.سي» الفارسية. ولن تلتفت بكين وموسكو إلى قدرات دول الخليج الناعمة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية المتمثلة في جوار إقليمي آمن عبر إسقاط حليف طهران في دمشق إلا حين تجد أن آلة الإعلام الخليجية التي أسقطت أربعة أنظمة فاسدة، قادرة على مخاطبة الشارع في إقليم شينجيانغ «Xinjiang» ذي الأغلبية المسلمة في الصين بلغتهم. وفي إقليم الشيشان «Chechnya»، فما زال فتية خليجيون يضعون صور المقاتل الخليجي سامر السويلم المعروف باسم «خطاب» في منتدياتهم، إلى جانب صور القائد الشيشاني شامل باساييف، مما يظهر أن روح التضامن مع الشيشان ما زالت حية خليجيا.
لقد أدى ضيق الإطار التحليلي الذي تبنته موسكو لمجمل قضايا المنطقة أن مكاسبها البخسة نظير استقلال الكويت انحصرت في الستينيات بافتتاح سفارة لها وسفارات لدول الكتلة الشرقية، حيث كانت جل أعمال سفارات بولندا وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا هي إصدار فيزا لسياحة المراهقين من شبابنا الباحثين عن اللهو الرخيص في السبعينيات، في حين قفزت الكويت في القارب الرأسمالي وكانت إحدى قلاع الإسترليني القوية. فهل يهز أحد في الخليج تلك المفاتيح الصغيرة فقد تسمع موسكو وبكين رنينها!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق