د.ظافر محمد العجمي –المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج
في 25 مايو مرت الذكرى الثلاثون لقيام مجلس التعاون ، ومن حسنات أن تكون مواطن خليجي ، الشعور بالتوتر الممتع في متابعة 'مسيرة العمل المشترك' . فطول فترة إنجاز المشاريع يجعلك تنسى أنك جزء من أنجح وأغنى منظمة إقليمية ، ثم تفاجأ بقدرتك على دخول دبي بهويتك الشخصية فقط و شراء منزل في صلاله ، وأسهم في قطر بنفس اليسر .
التوتر الممتع بانتظار المفاجآت جاء نتاج ما يحتويه التعاون الخليجي من كم هائل من العقد دفع القادة إلى تبني أسلوب الإدارة بالغموض لمسيرة العمل المشترك. وفي هذا السياق يقول أستاذ علم النفس السياسي د.قدري حفني «إن الإدارة بالغموض تأتي من حرص السلطة على تجنب شفافية تكشف من الحقائق ما تراه السلطة محرجا، أو تمسك بضرورة احتفاظ السلطة بالمرونة التي تكفل لها التعديل السريع لقراراتها دون التزام بتعليل مسبق لها يفقدها فعاليتها، أو حتى بدافع من الإشفاق على الأتباع من آلام مواجهة أزمات يبدو للسلطة أنها القادرة وحدها على مواجهتها دون إزعاجهم بمعاناة التفكير فيها». ورغم مرور فترة طويلة على نضج تجربة المجلس فإن المشهد الخليجي الراهن يجعل من السهل متابعة استمرار نهج الإدارة بالغموض في 3 جوانب هي إدارة الأزمات والتضامن وحتى القرارات المصيرية كما في الأمثلة التالية:
1. بين استراتيجية المبادرة واستراتيجية المسايرة أدارت دول المجلس تحركاتها في الأزمة اليمنية بستار من الغموض. فهللنا لقرب رحيل الرئيس صالح في البداية، لأنه ابتزنا بسوء إدارته لأزمات الحوثيين والجنوبيين والقاعدة. ثم تغير الموقف إلى النقيض مع تصاعد اتهامات بأننا أعدنا صالح للوقوف على قدميه خوفا على مستقبل اليمن من انتهازية المعارضة، وضعف عُود حركة الشباب. ثم انقلب علينا صالح حتى وصل الأمر لقوله إن «المبادرة الخليجية عملية انقلابية بحتة»، حيث أضاف مستدركاً أنه «سيتم التعامل معها لمصلحة اليمن» وكان التعامل حصار الأمين العام د.الزياني في سفارة الإمارات لحين إجلائه بطائرة هليوكوبتر وفي جيبه مبادرتنا. وغياب القدرة على وضع الرهان على الجواد الرابح في الوقت المناسب، هو الذي خلق الغموض في الموقف الخليجي المتقلب في إدارة الأزمة.
2. رغم أن الصراع السياسي جزء أصيل من الحياة الديمقراطية فإن الاستجواب المقدم من أعضاء في البرلمان الكويتي ضد رئيس الحكومة يتعدى الشأن المحلي، ويفتح الباب على مصراعيه حول تراتبية العلاقات بين دول الخليج نفسها والدول الأخرى. لقد جاء في البند الثاني «إن من أسس الأخوة الخليجية أن تكون الدول الشقيقة محل النفس في الاعتبار حكوماتٍ وشعوباً، فما يمس أياً من شقيقاتنا الخليجيات مادياً أو معنوياً هو مساس بنا» فهل لكل حكومة خليجية أجندة علاقات خاصة بها غير ما يقر الاجتماع الخليجي؟ وهل يدار التضامن الخليجي والوحدة في الموقف السياسي، بدواعي السيادة تحت مظلة الغموض الحكومي ليهدم ركنا أساسيا من أركان مجلس التعاون؟
3. لم يشعر المراقب الخليجي طوال الـ13 عاما الماضية بالارتياح للقمم التشاورية نصف السنوية لقادة دول المجلس، لأنها تحرم المراقب من متابعة قضايا أمن الخليج، حيث تعقد لبضع ساعات في يوم واحد وبدون جدول أعمال ودون بيان ختامي، مكرسةً مبدأ الإدارة بالغموض، حيث تضع المواطن الخليجي أمام قرارات لم يتهيأ لتقبلها بالاستئناس برأي المحللين ومراكز الأبحاث والدراسات المستقبلية عبر وسائل الإعلام. وكان من مخرجات هذا النهج الترحيب في آخر قمة تشاورية بانضمام الأردن والمغرب لمجلس التعاون، ما ولد ردة فعل شعبية تهكمية أحيانا ورافضة أحيانا أخرى حيث صوت %60 من القطريين ضدها، وهي نسبة تتعدى الانضمام وتظهر رفض أسلوب الإدارة بالغموض.
في 25 مايو 1981م حدد النظام الأساسي لمجلس التعاون أهداف المجلس في جميع الميادين وصولا إلى وحدة دوله. وبعد مرور 30 عاما على ما بناه الآباء المؤسسون يجدر بدول المجلس أن تنتهج الإدارة بالشفافية لا الإدارة بالغموض من خلال 4 عناصر:
1. تحديد مجالات التعاون ودور كل دولة فيه، حيث تقود دولة أو دولتان العمل الاقتصادي أو السياسي أو العسكري بشكل تكاملي، لا تنافسي.
2. تحديد المجالات الأكثر أهمية للمواطن الخليجي وترك هوامش الأمور، فالهيئة الاستشارية وبراءات الاختراع، والتعاون القضائي، ليست بدرجة أهمية اتفاقية الدفاع المشتركة، والاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة، والتي يجب خلق مؤشرات للأداء يتم تقييم الإنجاز بها.
3. لقياس الأداء الفعلي علينا تحديد معدلاته بصفة دورية، وليس كما هو في موقع مجلس التعاون الذي يعود تحديث بعض أجزائه إلى سنوات مضت.
4. صياغة الأهداف الخليجية بصورة استراتيجية ودائمة بناءً على المتغيرات حولنا حتى توضع الآليات القادرة على تحقيق الاستراتيجية.
في اليوبيل اللؤلؤي احتفلنا بمرور 30 عاما على قيام المجلس، واحتفلنا بمخرجات الإدارة بالغموض كالتردد الغامض في اليمن وسوء التقدير الاستراتيجي في الكويت، وانعزال صانع القرار الخليجي عن عمقه الشعبي في قرار القمة التشاورية بالرياض، وكلها مؤشرات على فشل هذا النوع من الإدارة. فالمسألة ليست مفاضلة بين الشفافية والغموض بقدر ما هي خيار بين الخطأ والصواب.
التوتر الممتع بانتظار المفاجآت جاء نتاج ما يحتويه التعاون الخليجي من كم هائل من العقد دفع القادة إلى تبني أسلوب الإدارة بالغموض لمسيرة العمل المشترك. وفي هذا السياق يقول أستاذ علم النفس السياسي د.قدري حفني «إن الإدارة بالغموض تأتي من حرص السلطة على تجنب شفافية تكشف من الحقائق ما تراه السلطة محرجا، أو تمسك بضرورة احتفاظ السلطة بالمرونة التي تكفل لها التعديل السريع لقراراتها دون التزام بتعليل مسبق لها يفقدها فعاليتها، أو حتى بدافع من الإشفاق على الأتباع من آلام مواجهة أزمات يبدو للسلطة أنها القادرة وحدها على مواجهتها دون إزعاجهم بمعاناة التفكير فيها». ورغم مرور فترة طويلة على نضج تجربة المجلس فإن المشهد الخليجي الراهن يجعل من السهل متابعة استمرار نهج الإدارة بالغموض في 3 جوانب هي إدارة الأزمات والتضامن وحتى القرارات المصيرية كما في الأمثلة التالية:
1. بين استراتيجية المبادرة واستراتيجية المسايرة أدارت دول المجلس تحركاتها في الأزمة اليمنية بستار من الغموض. فهللنا لقرب رحيل الرئيس صالح في البداية، لأنه ابتزنا بسوء إدارته لأزمات الحوثيين والجنوبيين والقاعدة. ثم تغير الموقف إلى النقيض مع تصاعد اتهامات بأننا أعدنا صالح للوقوف على قدميه خوفا على مستقبل اليمن من انتهازية المعارضة، وضعف عُود حركة الشباب. ثم انقلب علينا صالح حتى وصل الأمر لقوله إن «المبادرة الخليجية عملية انقلابية بحتة»، حيث أضاف مستدركاً أنه «سيتم التعامل معها لمصلحة اليمن» وكان التعامل حصار الأمين العام د.الزياني في سفارة الإمارات لحين إجلائه بطائرة هليوكوبتر وفي جيبه مبادرتنا. وغياب القدرة على وضع الرهان على الجواد الرابح في الوقت المناسب، هو الذي خلق الغموض في الموقف الخليجي المتقلب في إدارة الأزمة.
2. رغم أن الصراع السياسي جزء أصيل من الحياة الديمقراطية فإن الاستجواب المقدم من أعضاء في البرلمان الكويتي ضد رئيس الحكومة يتعدى الشأن المحلي، ويفتح الباب على مصراعيه حول تراتبية العلاقات بين دول الخليج نفسها والدول الأخرى. لقد جاء في البند الثاني «إن من أسس الأخوة الخليجية أن تكون الدول الشقيقة محل النفس في الاعتبار حكوماتٍ وشعوباً، فما يمس أياً من شقيقاتنا الخليجيات مادياً أو معنوياً هو مساس بنا» فهل لكل حكومة خليجية أجندة علاقات خاصة بها غير ما يقر الاجتماع الخليجي؟ وهل يدار التضامن الخليجي والوحدة في الموقف السياسي، بدواعي السيادة تحت مظلة الغموض الحكومي ليهدم ركنا أساسيا من أركان مجلس التعاون؟
3. لم يشعر المراقب الخليجي طوال الـ13 عاما الماضية بالارتياح للقمم التشاورية نصف السنوية لقادة دول المجلس، لأنها تحرم المراقب من متابعة قضايا أمن الخليج، حيث تعقد لبضع ساعات في يوم واحد وبدون جدول أعمال ودون بيان ختامي، مكرسةً مبدأ الإدارة بالغموض، حيث تضع المواطن الخليجي أمام قرارات لم يتهيأ لتقبلها بالاستئناس برأي المحللين ومراكز الأبحاث والدراسات المستقبلية عبر وسائل الإعلام. وكان من مخرجات هذا النهج الترحيب في آخر قمة تشاورية بانضمام الأردن والمغرب لمجلس التعاون، ما ولد ردة فعل شعبية تهكمية أحيانا ورافضة أحيانا أخرى حيث صوت %60 من القطريين ضدها، وهي نسبة تتعدى الانضمام وتظهر رفض أسلوب الإدارة بالغموض.
في 25 مايو 1981م حدد النظام الأساسي لمجلس التعاون أهداف المجلس في جميع الميادين وصولا إلى وحدة دوله. وبعد مرور 30 عاما على ما بناه الآباء المؤسسون يجدر بدول المجلس أن تنتهج الإدارة بالشفافية لا الإدارة بالغموض من خلال 4 عناصر:
1. تحديد مجالات التعاون ودور كل دولة فيه، حيث تقود دولة أو دولتان العمل الاقتصادي أو السياسي أو العسكري بشكل تكاملي، لا تنافسي.
2. تحديد المجالات الأكثر أهمية للمواطن الخليجي وترك هوامش الأمور، فالهيئة الاستشارية وبراءات الاختراع، والتعاون القضائي، ليست بدرجة أهمية اتفاقية الدفاع المشتركة، والاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة، والتي يجب خلق مؤشرات للأداء يتم تقييم الإنجاز بها.
3. لقياس الأداء الفعلي علينا تحديد معدلاته بصفة دورية، وليس كما هو في موقع مجلس التعاون الذي يعود تحديث بعض أجزائه إلى سنوات مضت.
4. صياغة الأهداف الخليجية بصورة استراتيجية ودائمة بناءً على المتغيرات حولنا حتى توضع الآليات القادرة على تحقيق الاستراتيجية.
في اليوبيل اللؤلؤي احتفلنا بمرور 30 عاما على قيام المجلس، واحتفلنا بمخرجات الإدارة بالغموض كالتردد الغامض في اليمن وسوء التقدير الاستراتيجي في الكويت، وانعزال صانع القرار الخليجي عن عمقه الشعبي في قرار القمة التشاورية بالرياض، وكلها مؤشرات على فشل هذا النوع من الإدارة. فالمسألة ليست مفاضلة بين الشفافية والغموض بقدر ما هي خيار بين الخطأ والصواب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق