د.ظافر محمد العجمي –المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج
التصور الأخلاقي يقول إن الحق هو القوة، لكن هناك من يختزل الحق في القوة، مما وسع الجدل بين طروحات توماس هوبز، وجون لوك، وجان جاك روسو، بل حتى ابن خلدون في مقدّمته إبان سعيه لتفسير مصدر القوّة، ومسألة العلاقة بين الحق والقوة.
لقد قام وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي بزيارة للإمارات العربية المتحدة، وهي زيارة سبقتها جولة لكل من قطر وعمان. وقد أتت تحركات صالحي لتنقية الأجواء من نتائج التخبط الذي أحدثه صبية وزير الاستخبارات حيدر مصلحي في البحرين والكويت، والذي أوجد مناخ التعبئة في صفوف الخليجيين, ولتمحو صدى جعجعة رئيس الأركان الإيراني حسن فيروز أبادي ضد السعودية والإمارات، وكلاهما رجلان بقوة عابرة للسلطات في طهران.
قد يكون الغضب البحريني ووأد المخطط الإيراني في مهده سبب العقلانية الإيرانية الطارئة تجاه الخليج، وقد يكون موقف الكويت الصارم من قضية التجسس وطرد الدبلوماسيين مرد ذلك، بل قد يكون التحرك السعودي الحازم تجاه أمن الخليج هو السبب، لكن المؤكد أن ما دفع وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي لزيارة الإمارات لم يأت من باب حسن النوايا البحت، ولا نتيجة مصالحة محركها الوشوشة في الصالونات الدبلوماسية، بل فلسفة قوة الحق التي لا يمكن لعين مراقب أن تخطئ صعودها مؤخرا في السياسة الإماراتية، وكان من مؤشراتها:
1. في انعطاف استراتيجي افتتحت فرنسا في 26 مايو 2009م في أبوظبي قاعدة بحرية جوية هي القاعدة العسكرية الفرنسية الأولى منذ 50 عاماً خارج أراضيها الوطنية, كما أنها ضوء إماراتي أخضر للاعب جديد غير بريطانيا والولايات المتحدة لدعم البعد الاستراتيجي لأمن الخليج العربي.
2. للحصول على سلاح متفوق لدرء المخاطر عنها عملت أبوظبي على تعزيز ترسانتها العسكرية مما دفع تيودور كارسيك الخبير بمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (إينغما) للقول إن الجيش الإماراتي، بمقاتلاته الـ184 وبدباباته الـ471، هو أقوى الجيوش في منطقة الخليج وأكثرها فاعلية، كما أكد قدرة سلاحها الجوي على شل السلاح الجوي الإيراني في غضون ست ساعات فقط.
3. ضمن مساعيها لتجاوز الاعتماد على مضيق هرمز الاستراتيجي الذي تسيطر إيران على ضفته الأخرى بشكل كامل، بنت الإمارات قاعدة بحرية في إمارة الفجيرة على شواطئ خليج عُمان، لتتجاوز تهديدات طهران بإغلاق هرمز في كل أزمة. ولنقل المواجهة الجو-بحرية في حال حدوثها بين الطرفين إلى الجبهة الإيرانية، ومنع حصار الإمارات.
4. في مارس 2011م قررت الإمارات الاستثمار في إنشاء جزر اصطناعية في الخليج, مما استنفر طهران على لسان مستشار قائد الثورة الإسلامية لشؤون القوات المسلحة اللواء يحيى صفوي الذي حذر الإمارات من تداعيات إنشاء تلك الجزر، حيث يرى أن الإماراتيين يسعون إلى توسيع حدودهم المائية أو دعم ملكية جزر أبوموسى، وطنب الكبرى، وطنب الصغرى بمساندة قانونية من الدول العظمى والقوى العالمية والمنظمات الدولية.
5. من مظاهر فلسفة قوة الحق الإماراتية، أن اشترطت الإمارات شرطا جديدا لشراء طائرات الرافال، وهو مضاعفة رحلات شركات الطيران الوطنية الإماراتية لأكبر مطار في فرنسا, وكانت باريس قد رفضت خوفا على شركتها الوطنية, ولكن الإمارات أعادت الطلب ثانية ولكن كشرط أساسي لشراء الرافال.
6. وفي قضية سيادية مشابهة، فقدت كندا حق استخدام معسكر إماراتي بالقرب من دبي تستخدمه لدعم قواتها في أفغانستان مما دفعها للإعلان عن سحب معظم قواتها البالغ قوامها 2900 رجل من أفغانستان العام القادم, لارتفاع كلفة عدم التوقف في دبي، وكان الخلاف بسبب رفض كندا زيادة عدد رحلات الطيران الإماراتي لها معرضة أعمال 27 ألف مواطن كندي يقيمون في الإمارات للخطر، بالإضافة إلى كون الإمارات أكبر شريك تجاري لكندا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا, بتبادل تجاري يصل إلى أكثر من 1.5 مليار دولار تمثل الصادرات الكندية %95 منها.
لقد نجحت دولة الإمارات في التنقل بيسر من بذلة رجل الأعمال إلى درع المحارب بما يخدم مصالحها الوطنية، عبر فلسفة قوة الحق التي نجحت في خلقها. ومع أنه يمكننا حصر زيارة صالحي للإمارات ضمن إطارها الضيق، والركون إلى تاريخ طهران في خلط السياقات الدبلوماسية للوصول إلى التضليل المربك، إلا أننا نود أن نرجح أن سببها هو تفهم طهران لمعنى قوة الحق التي قد تعيد الحياة لعلاقات خليجية تتجاوز بها الحرب الباردة التي لم تحرك ساكناً، ولم تسكن متحركا بين ضفتي الخليج, بل خلقت جوا خانقا. ولعل ما يشجع على تقدم إيران بخطوات تصالحية ما أفادت به شبكة «برس تي في» الإيرانية بأن سفينة تابعة للبحرية الإيرانية أحبطت محاولة قام بها قراصنة لخطف ناقلة نفط إماراتية.
هناك تعليق واحد:
قراءة رائعة دكتورنا الكريم ، وبالمناسبة لازال التخبط الإيراني مستمرا حيال علاقاته البدلوماسية مع دول الخليج.. تراه يقترب خطوة ويبتعد خطوتان، كان كر وفر بين السياسة والعنجهية القومية، ولعل الأزمة التي خلقتها إشاعة زيارة صالحي للمملكة خير مثال على ذلك. كذلك محاولة ايران الاستفادة من الأوضاع الغير مستقرة في مصر هذه الأيام ومغازلة الساسة الإيرانيون للقاهرة دليل على السكرة التي لم يستيقضوا منها بعد.. فصدمت الفشل في البحرين جعلتهم يترنحون إلى غير وجهة معلومة..
محمد السلمي
باحث أكاديمي في الشأن الإيراني
http://iranianaffairs-moh-alsulami.blogspot.com/
إرسال تعليق