Gulf security أمن الخليج العربي

الأربعاء، 19 أغسطس 2009

بين سنة الرحمة 1918 ومركز إدارة الأزمات الخليجي



د.ظافر محمد العجمي -المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تطلعت مريم بسنواتها الثماني إلى والديها. تطلعت في صمت، ثم تقيأت كل ما في جوفها. سعلت بعدها سعالاً شديداً. إصرار على التقيؤ، لكن لم يخرج من جوفها شيء. تبسمت بصعوبة وتذكرت شيئاً ما. سألت أمها عن دميتها. فلم تجب الأم. سالت دمعة ساخنة من عين أمها. تذكرت الأم ابنها خالد الذي مات قبل أسبوع واحد. مر بنفس الأعراض. يوم واحد بين القيء والهذيان ثم حمله أبوه وخاله، ملفوفاً في نفس البطانية التي ينام عليها إلى مكان بعيد ولم يرجع. تلك كانت سطوراً مما كتبه قبل ثلاث سنوات المبدع حسن الشيخ تحت عنوان «أحسائيون في سنة الرحمة». أما إبراهيم العبيد فقد كتب قبل 93 سنة في تاريخ «أولي النهى والعرفان» أن سنة الرحمة كانت عام 1337هـ وفيها وقع الطاعون، وهلك في قلب الجزيرة العربية ألوف، وقل من يسلم منه، وكان عاماً في نجد والأحساء والخليج والعراق، واستمر ثلاثة أشهر، وبسببه هجرت مساجد وخلت بيوت وهملت المواشي في البراري فلا تجد لها راعياً وساقياً فكان يصلَّى في اليوم على 100 جنازة بسبب هذا المرض ولقد تكسرت النعوش وجعلوا عنها عوضاً الأبواب لحمل الموتى فكان المحسن في ذلك الزمن من يحفر القبور وينقل الموتى إليها. ويرى الدكتور صالح الصقير استشاري الطب الباطني وباحث في تاريخ الأوبئة في نجد في حديث له في جريدة «الاقتصادية» أن ما حدث في نجد عام 1337هـ ما هو إلا إنفلونزا الخنازير، التي قضت على %40 من سكان العالم، وإن هناك دوائر علمية تؤكد ذلك ففي عام 1997 تم تحليل جثة تعود لتلك الفترة ووجد فيها فيروس إنفلونزا الخنازيرH1N1، وكانت انطلاقة الوباء من أميركا رغم تسميتها باسم الحمى الإسبانية. أما محدثكم بهذه السطور، فقد قررت طبيبة المستوصف في 6 أغسطس 2009 أن ابنتي مصابة بإنفلونزا الخنازير H1N1. وكمواطن خليجي مترف عاش واهماً أننا معرضون فقط لداء الملوك، أو السكري، أو الضغط على أسوأ حال، فقد مررت بمراحل الرفض لتشخيص تلك الطبيبة التي قالت إن تشخيصها مبني على ارتفاع الحرارة مع عدم وجود التهاب في اللوزتين. وقبيل منتصف الليل قرر الطبيب في المستشفى الفندقي الخاص الذي أخذتها له أنها مجرد نزلة معوية مع إنفلونزا عادية، لكن النوم لم يجد طريقه إلى عيني، فما زالت ورقة التحويل إلى مستشفى الأمراض السارية الرهيب في جيبي، وبعد 24 ساعة ورغم تجاوز مريضتنا لكآبة اليوم الأول للإنفلونزا العادية فإن الشك ونبرة التهديد من طبيبة المستوصف وتسجيل رقم هاتفي وعنوان بيتي وأسماء من يسكن معي كلها قادتني إلى مستشفى الأمراض السارية. كان في قاعة الاستقبال شخصان فقط، كاتب الدخول الكويتي ملثماً بغترته وكأنه في رحلة قنص، أو كأحد أتباع الزرقاوي يلقي بياناً قبل إعدام رهينة، وممرض عربي يتذمر من أن بدل العدوى 15 دينارا فقط، وعندما وصل عدد المراجعين إلى 10 أشخاص رفض قياس حرارتهم، باستثناء من كان مسافرا ورجع للكويت. أما عمال النظافة فكانوا يوزعون الكمامات بسرعة زادت من وتيرة غضب وهلع المراجعين، فخرجت حالة التذمر لتقفز إلى دائرة العصيان ثم دائرة التمرد ثم بدأت الفوضى تضرب بأطنابها في المكان، واستمرت بعد خروجنا بالبراءة من تهمة إنفلونزا الخنازير. لقد قال مدير المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون قبل أيام، إن اللقاح لم يتوفر حتى الآن، وإن العمل جار لتطويره، وإن الحصول على تطعيم يحتاج من 5 إلى 6 أشهر بعد التعرف على الفيروس المسبب. فهل أراد بهذا التصريح تخفيف حالة الهلع؟ أم يريدنا أن نحتكم إلى الواسطة أو العنف في الحصول على النزر القليل من الدواء الذي سيرد قطرة بعد قطرة؟ أم يريدنا أن نفر إلى الصحراء طلباً للعزلة وهرباً من سوء التشخيص وسوء إدارة الأزمة برمتها؟ في دول الخليج العربي وبسبب نعومة جلودنا لم نكن مهيئين في الكويت للغزو والاجتياح العسكري العراقي عام 1990، كما لم نكن مهيئين للكوارث الطبيعية في مسقط إبان إعصار جونو في 2007، ولم نكن مهيئين في دول الخليج العربي كافة للأزمة الاقتصادية التي أعقبت أزمة الرهن العقاري عام 2008، فدخل شباب المجلس العاملون في القطاعات المصرفية والاستثمارية الجشعة في أزمة اقتصادية- اجتماعية كبيرة قابلتها الحكومات بسوء الإدارة وقلة الحيلة. لقد سبق أن أشرنا في مقال سابق إلى أن المساعدات التي قدمت للنازحين الكويتيين أثناء الغزو أو ما عرض على إخواننا العمانيين أثناء إعصار جونو تم بالشكل العفوي الذي لم يعد يتماشى مع متطلبات العصر لو أن مركز لإدارة الأزمات الخليجية كان قائما بخططه وإمكانياته. لقد زاد الاهتمام بإدارة الأزمات كأسلوب للتكيف مع المتغيرات الطارئة وغير القابلة للتوقع المسبق في كافة دول العالم، وصارت إدارة الأزمات علماً يقصد به سلسلة الإجراءات للسيطرة على الأزمة، وإدارة الموقف. إن إدارة أزمة إنفلونزا الخنازير على المستوى الخليجي تتطلب تنظيم وهيكلة وتوزيع المهام وتحديد الإجراءات وتحليل واختيار الحلول على المستوى الخليجي كله. وإذا أخذنا في الاعتبار أن العلاج غير متوفر حتى الآن وإن شهر رمضان الكريم قادم بكثافة مصليه، وكثرة التواصل الاجتماعي خلاله، وأن الشتاء قادم وموسم العودة إلى المدارس على الأبواب، عندها لا يكون تفعيل خطة طوارئ صارمة يقودها مركز خليجي لإدارة الأزمات لتطبيق الإجراءات الاحترازية والوقائية خياراً ضمن خيارات بل مخرجاً للحياة. في عام 1918 خسر العالم %40 من سكانه بسبب إنفلونزا الخنازير،
ونقدّر أن الخليج في حينها قد خسر نفس النسبة أو أكثر، وقد حدث هذا عندما كانت القبائل تعيش متفرقة في الصحاري البعيدة، وكان الفلاحون في قراهم يعيشون في عزلة مريحة لسنوات طويلة، فهل تصمد النسبة مع اتساع سبل احتكاك المنطقة المباشر بالمناطق ذات الأوبئة المتكررة كآسيا والعراق وإيران؟

هناك 3 تعليقات:

SaM يقول...

ماتشوف شر يارب

و التشخيص الطبي الخاطئ وارد بكل مكان

و وزارة الصحه عندنا الله بالخير


الله الحافظ

غير معرف يقول...

يعطيك لعافية دكتور

فعلا ازمة انفلونز الخنازير بجد صارت بين الجدية و الهزل


عموما مقالة ويد حلو



و نشوف جديدك انشاء الللة

غير معرف يقول...

عسى ربي فرجها على كل من تاذى من هالمرض هذا انفلونزا لخنازير و عسى ربي اجازيهم


و نتمنى فعلا مقالتك هذة الكل يقراها علشان يصحون شوي العالم للوباء هذا الي قعد نخسر منه عيالنا و اهلنا


و جزاك اللة الف خير دكتور على مقالك و عسى ربي يجعلها اخر الاحزن


طالبتك

Gulf seurity أمن الخليج العربي

Kuwait
تبين هذه المدونة كيف تمتع الخليج بأهمية كبيرة أدت إلى خلق عبء استراتيجي على أهله بصورة ظهرت فيها الجغرافيا وهي تثقل كاهل التاريخ وهي مدونة لاستشراف مستقبل الأمن في الخليج العربي The strategic importance of the Gulf region creates a strategic burden and show a good example of Geography as burden on history. This blog well examine this and forecast the Gulf's near future and events in its Iraq, Iran ,Saudi Arabia ,Kuwait, Bahrain ,Qatar, United Arab Emirates and Oman

أرشيف المدونة الإلكترونية