في 23 أكتوبر كانت لنا وقفة مع المؤتمر الموازي لمؤسسات المجتمع المدني الخليجية، وقد أصدر المؤتمرون وثيقة الخليج كما أسموها ، ننشرها نقلا عن جريدة(( ألآن )) الالكترونية في 23 نوفمبر 2007 .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
بمناسبة انعقاد القمة السنوية لمجلسكم الموقر، نتقدم لكم بأسمى آيات الشكر والعرفان لسعيكم احتضان آمال وتطلعات شعوبكم منذ إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية. هذا المجلس الذي تعقد شعوبكم عليه آمالاً كبيرة في تحقيق ' التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها '؛ كما جاء في المادة الرابعة من النظام الأساسي للمجلس. ولقد ارتأينا – نحن مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني – أن نخاطبكم لنطرح عليكم هموم وتطلعات نخبة من أبنائكم ممن لديهم اهتمام بالشأن العام ، و التي هي انعكاس لهموم وتطلعات شعوبكم التي تتطلع إلى غد أفضل وتحقيق ما عقدتم العزم على تحقيقه في مجلسكم الموقر . آملين النظر في هذه الوثيقة التي وضعناها من باب التناصح بين أبناء الوطن الواحد ، عبر إقامة حوار إيجابي بين أبناء المنطقة وحكامها ، وقد أسميناها (وثيقة الخليج) .
إن الأهداف السامية التي قام عليها مجلسكم الموقر منذ أكثر من 26 عاماً – كما جاء في النظام الأساسي – تؤكد على دور المواطن في عملية التنمية والتحديث وصيانة الأمن وتحقيق الرخاء الاقتصادي للشعوب . ولكن للأسف صوت الإنسان – في قرارات مجلسكم الموقر خلال الفترة المنصرمة – كان باهتاً و غير مسموع . وهذا ما أزال الصبغة الشعبية عن المجلس؛ وأبعده عن هموم وتطلعات إنسان الخليج، ولقد اعترف بعض القادة الموقرين و في أكثر من مناسبة بأن المجلس (لم يصل إلى مستوى طموحات وآمال المواطنين). وحتى الهيئة الاستشارية، فقد قيدها قرار ( بحث ما يُحال إليها من المجلس الأعلى )؛ وهذا ما جعلها كإدارة من إدارات عمل مجلس التعاون. لا تطرح هموم المواطنين ولا تسعى إلى تلمس احتياجاتهم أو البحث في قضاياهم الهامة. وبناء على هذه المعطيات بادرت مجموعة من أبنائكم الذين ينتمون إلى مؤسسات المجتمع المدني وشخصيات مهتمة بالشأن العام في دولكم بتوجيه هذه الوثيقة التي يعبرون من خلالها عن رؤى المجتمع المدني وتطلعاته لدور مجلس التعاون المستقبلي في تنمية المجتمعات الخليجية و دعم مسيرة المجلس الذي هو قدر أبناء المنطقة والحاضن الأوفى لهمومهم وتطلعاتهم .
فعلى الصعيد السياسي
وبالرغم من التطور الكبير الذي وصلت إليه شعوب الخليج في مختلف المجالات المهنية والعلوم الإنسانية ، فإنها حتى اليوم بحاجة إلى المشاركة الحقيقية والفعلية في المساهمة في تيسير شؤون الدولة جنباً إلى جنب مع مراكز اتخاذ القرار. فمن الواضح أن هناك سلطات تشريعية – من المفترض لها أن تمثل شعوب المجلس – إلا أنها مقتصرة على استشاريين معينين – وفي بعض الدول أقيمت مجالس منتخبة إلا أنها مع ذلك تفتقر إلى سلطة التشريع الحقيقي ؛ كما تغيب هذه المجالس في بقية الدول . وحيث أننا نرى أن التوجه العالمي الآن يسير نحو تشجيع وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني - كسلطة خامسة – في تحمّل مشاركة الدولة في مسؤولياتها تجاه المجتمع ؛ فإننا نرى أن هذه المؤسسات أيضاً إما غائبة أو مغيبة ؛ ويجرى التضييق على ما هو موجود منها على أرض الواقع ؛ ويزداد تحكّم السلطات التنفيذية بها ؛ على الرغم من أن هذه المؤسسات تطوعية ويستوجب دعمها ومساندتها . إن هنالك حاجة ماسة لتقنين العلاقة في مؤسسات الحكم والشعوب الخليجية بدساتير تعاقدية عصرية تؤمن المشاركة الشعبية في إدارة الحكم . وبما أننا جزء من المجتمع الدولي و حكومتنا صادقت على بعض الاتفاقيات الدولية الخاصة بالأمن والتجارة إلا أنها لم تنضم إلى الاتفاقيات الدولية الخاصة بالحقوق؛ وإن كانت هناك دول في المجلس انضمت لهذه الاتفاقيات إلا أنها لا تطبق نصوص هذه الاتفاقيات على أرض الواقع. و إن الحريات التي كفلتها كافة الشرائع والقوانين والاتفاقيات الدولية لا تزال في خطواتها الأولى – تطبيقاً – في دول مجلس التعاون؛ ولم تتطور إلى مستوى يمكن أن نجزم بوجود مناخ ديمقراطي حر ! لذا فمن المفترض أن تكون الحريات العامة والشخصية على سلم أولوياتنا باعتبارها من المقومات الأساسية التي تحمي وتسند المجتمعات – في السلم والحرب – ولا يمكن أن تنشأ نهضة حضارية دون أن تكون تلك الحريات سندها وحاميها .
وعلى الصعيد الاقتصادي
فإن دول المجلس ؛ وعلى الرغم من المداخيل الخيالية التي دخلت خزائنها من الموارد النفطية – إلا أن هذه المداخيل – في مناح كثيرة – لم توظف بالشكل الصحيح الضامن لبناء مجتمعات خليجية يمكن أن تواجه الألفية الجديدة . خصوصاً في ظل غياب استراتيجيات مقنعة لعصر ما بعد النفط القابل للنضوب . فشعوبنا تعيش أيام الاستهلاكية المترفة ، وبعضها يعيش تحت خط الفقر ، والبعض الآخر ينعم بخيرات النفط بلا حدود ، وهذه الحال لا يمكن أن تؤمن مستقبلاً مضموناً مبنياً على أسس علمية . خصوصاً وأننا نسمع كثيراً عن الاستثمار في الإنسان باعتباره أغلى الثروات ؛ إلا أن الواقع ليس كذلك ، لأن السياسات الاقتصادية تم تجيرها لصالح البعض ، كما تم تهميش السواد الأعظم من الشعوب . وبناء عليه ترى مؤسسات المجتمع المدني والشخصيات العامة المهتمة بالشأن العام ضرورة وجود أفكار جديدة – في المجال الاقتصادي – تحقق رؤية الشعوب وتضمن مستقبلها ؛ على أن تعتمد هذه الأفكار على ديمقراطية و شفافية الصرف ، والتأكيد على وجود تعددية في الاستثمار لصالح المواطن ، وإيجاد بدائل للنفط القابل للنضوب .
وعلى الصعيد الاجتماعي
فلقد اتسم مجتمع الخليج منذ نشأته بترابطه الاجتماعي – كما جاء في ديباجة النظام الأساسي للمجلس – إلا أن التطورات التي صاحبت هذا المجتمع على مدى أكثر من خمسين عاماً أثرت على التركيبة الاجتماعية لدول المجلس لدرجة باتت تشكل خطراً على نسيجه الاجتماعي . وتمثل ذلك بزيادة ملحوظة في نسبة العمالة الوافدة – بدرجة تصل في بعض دول الخليج إلى أكثر من 85% ؛ وهذه النسبة لا تستطيع دول الخليج استيعابها ومواجهة استحقاقاتها من الناحية الاجتماعية وتقديم الرعاية لها والتورط في مشاكلها الأخلاقية وعاداتها وتقاليدها التي جلبتها معها بما في ذلك السلوكيات الاجتماعية والدينية والمشاريع الملتصقة بهذه الجاليات . و هذه الأمور حقيقة تنذر بإحداث خلخلة في المجتمع الخليجي و هو ما بدأنا في ملاحظته في أكثر من موقع. لذا ترى مؤسسات المجتمع المدني والشخصيات المهتمة بالشأن العام ضرورة إعادة النظر في السياسات الخاصة بجلب العمالة الوافدة الرخيصة ؛ وتقنين جلبها إلى المنطقة ، وتأهيل العمالة المحلية / الخليجية باعتبارها محور التنمية المستدامة للمجتمعات الخليجية مما يخلق فرص عمل كبيرة والتقليل من البطالة المقنعة المتفشية بشكل ينذر بخطر كبير على المجتمعات الخليجية ؛ هذا با لإضافة إلى أهمية أن تكون هناك مساحة مناسبة لتوفير العمالة العربية بغرض إحداث التوازن في انحرافات معيار العمالة نحو دول معينة دون الأخرى.
وبما أن المرأة تشكل عنصراً هاماً وفاعلاً لتنشئة الأجيال ؛ وما يشكله ذلك على المستقبل المنظور والبعيد ؛ إلا أن دور المرأة الخليجية مازال محدوداً ، وانجازاتها خلال نصف القرن الماضي لا تعبر عن طموحات وتطلعات مؤسسات المجتمع المدني والشخصيات المهتمة بالشأن العام . لذا نرى بأن تعطى المرأة الخليجية الفرصة الكاملة وتدعم من قبل مؤسسات الحكم لتمارس دورها بما يتواءم والألفية الثالثة ؛ بما في ذلك دخولها كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية و بما يكننا من خلق جيلاً من القيادات النسائية يكون قادراً على التعامل مع مقتضيات العصر والتطلعات المستقبلية ؛ حيث سيكون لذلك الأثر الايجابي الكبير على تنشئة الأجيال القادمة ؛ و بما يضمن لهم التعامل مع المستقبل الذي تشكل إرهاصاته قلقاً لتلك الأجيال ؛ خاصة و أنها في الوقت الحاضر تواجه تحديات كبيرة لا تمكنها من التعامل مع هذه التحديات و استحقاقاتها وفقا لما هو مطلوب نظراً لمحدودية دورها في عملية التنمية .
وعلى الصعيد الأمني
إنه لمن المعروف أن أمن الخليج محط اهتمام العالم وذلك لضرورات إستراتيجية واقتصادية ! لكن هذا لا يعني بالضرورة خضوع دول الخليج لأي نوع من أنواع الهيمنة. و ما يجب التركيز عليه و تأكيده هو إن أمن الخليج من مسؤوليات شعوب ودول الخليج .
ولعلنا نستذكر هنا قرار سموكم في قمة ابوظبي عام 1981 : ' حين استعرضتم الوضع الراهن في المنطقة ؛ وجددتم التأكيد بأن أمن المنطقة واستقرارها إنما هو مسؤولية شعوبها ودولها ، و أكدتم أيضا في أن هذا المجلس إنما يعبر عن إرادة هذه الدول وحقها في الدفاع عن أمنها وصيانة استقلالها. وفيما عدى ذلك تأكيدكم بالمطلق رفض لأي تدخل أجنبي في المنطقة مهما كان مصدره. وطالبتم كذلك بضرورة إبعاد المنطقة بأكملها عن الصراعات الدولية وخاصة قضية تواجد الأساطيل العسكرية والقواعد الأجنبية لما في مصلحة دول المجلس و مصلحة العالم اجمع '
وحيث أن الوضع الحالي للأمن في المنطقة يخالف تلك الرؤية الرشيدة التي وردت في بيانكم الأول عام 1981 ؛ فإنه من المهم أن تتفق دول المجلس على صيغ وترتيبات واضحة لصيانة الأمن في المنطقة وعدم تعريض مستقبل شعوب الخليج لمغامرات عسكرية جديدة بعيدة عن إملاءات الدول الكبرى . كما أن الأمن ليس هو العسكري فقط ، إذ أن الأمن الشامل هو الذي يحفظ المجتمعات من الاتجاهات المتطرفة والسلوكيات الشاذة ، ويقيم أود العلاقات الخليجية التي كانت سائدة قبل عصور النفط وقبل المعاهدات العسكرية مع الدول الكبرى .
إن نذر الحرب تلوح في الأفق – في هذه المرحلة – بين الدول الكبرى وإيران بسبب البرنامج النووي الإيراني . ويجرى تجيش الرأي العام العالمي لتوجيه ضربات إلى إيران؛ فالتخوف الأكبر هو أن تكون دول مجلس التعاون أول المتضررين من هذه الحرب على المستوى الاقتصاديً و البشريً و المادي في الوقت الذي لا تقيم الدول الكبرى وزناً لشعوب المنطقة تجاه ما يمكن أن تسفر عنه الأوضاع من تداعيات وكأنها بما تقوم به يأتي من منطلق ما لدى هذه الدول من قناعات في أنها تملك المنطقة بأسرها وتتصرف بها كما تشاء ؛ علماً بأن استحقاقات الحرب كلها ستكون على شعوب المنطقة ! وهذا يتطلب من دول المجلس أن تعلن موقفاً واضحاً وصريحاً بأنها ضد أي اعتداء على إيران – الجارة المسلمة – وضرورة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من جميع أشكال أسلحة الدمار الشامل مهما كان مصدرها – إيران أو إسرائيل - ! ويجب أن تدخل دول المجلس في حوار مباشر مع إيران لضمان أمن المنطقة بالتساوي ودون هيمنة أو تدخل في الشؤون الداخلية لأي من الدول . كما يجب أن تتوافر الجهود لعدم إلقاء مزيد من الزيت على الحرب الدائرة في العراق. وضرورة ترك أمور شؤونه الداخلية بيد أبنائه.
أما عن الجيش الخليجي الموحد ( درع الجزيرة ) فإن الظروف الحالية للواقع العسكري والأمني في دول المجلس لا تسمح بتطوير ذاك الجيش ؛ لأننا – في حقيقة الأمر- لم نهيئ المناخ لوجود جيش وطني نأتمنه على مقدرات البلاد . كما أن القواعد الأجنبية في المنطقة تقوم بمهام هذا الجيش الذي يفتقر إلى الوطنية والقوة والتدريب ! ولعل حرب تحرير الكويت قد أثبتت مدى محدودية هذا الجيش . و من هنا ، فإن على دول مجلس التعاون أن تبحث الشأن العسكري والأمني بكل جوانبه دون أن تلجاً إلى التجزئة أو الانشطار في التعامل مع هذا الموضوع الحيوي والهام .
و على الصعيد البيئي
إننا وإذ نراقب ما آلت إليه الحالة البيئية لمنطقة الخليج العربي من تدمير بسبب الحروب التي مرت بها وبسبب ضعف التوجهات البيئية الجادة للجهات المسئولة عن البيئة في حكومات المنطقة لندعو إلى النظر بعين الاعتبار إلى أهمية العمل الجاد نحو معالجة الأوضاع البيئية المتردية التي تمر بها المنطقة والتي لا يمكن أن ننجح في معالجتها إلا بعد تحقيق تعاون بيئي شامل يتضمن جميع الجهات البيئية الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني البيئية الخليجية.
إن المطالبة بتفعيل الدور البيئي للأمانة العامة لدول مجلس التعاون وإعادة النظر في أسلوب تعاطيها مع المشاكل البيئية ومع مؤسسات المجتمع المدني البيئية الخليجية يعد مطلبا هاماً وملحاً لجميع مؤسسات المجتمع المدني البيئية الخليجية حيث حققت هذه المؤسسات العديد من الانجازات المحلية والدولية وباتت تؤثر في التوجهات البيئية العالمية، وعليه فإن تعاون حكومات دول الخليج مع هذه المؤسسات يعد أمر مهماً للغاية خصوصا وإنها تعتبر العين الثالثة لشعوب وقادة دول المنطقة.
إننا نطالب باستكمال التشريعات البيئية وتطبيقها على أرض الواقع والنظر بعين الاعتبار إلى حجم المشاكل والمنازعات البيئية التي لم يتم الوصول إلى حل لها بسبب نقص وضعف التشريعات البيئية المعمول بها حاليا.
و لذلك إن الدعوة إلى تحرير مؤسسات المجتمع المدني البيئية من هيمنة بعض المسؤولين في حكومات دول المنطقة أمر مهم للغاية فالتدخل الحكومي في عمل مؤسسات المجتمع المدني البيئية سيؤدي إلى نتائج عقيمة لن تستفيد منها دول المنطقة. بل انه من الضروري أن يعاد النظر في قوانين إشهار مؤسسات المجتمع المدني البيئية التي لا تزال مجمده أو غير موجودة أساسا في بعض الدول.
و لذلك ما نود التأكيد عليه هو أن دول المنطقة تجرعت في مراحل و أوقات عديدة مرارات التلوث بأشكاله وخسرت حكوماتها المليارات بسبب ذلك !!! كما أنها خسرت قبل ذلك شبابها الذي دبت بين الكثير منهم الأمراض الناتجة عن التلوث، وباتت المطالبة بالحماية الجدية والفاعلة لحقوق الإنسان البيئية مطلباً شعبيا ملحاً و هو ما نسعى لأجله من خلال هذه الوثيقة التي نضعها بين يدي جلالتكم و سموكم.
وفقكم الله ذخرا لأوطاننا و شعوبنا و أدام الله عز الخليج و قيادته الميمونة
اللجنة التحضيرية لأعداد وثيقة الخليج المقدمة لقادة
مجلس التعاون الخليجي في قمتهم لعام 2007
أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الموقرين.وثيقة الخليج
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
بمناسبة انعقاد القمة السنوية لمجلسكم الموقر، نتقدم لكم بأسمى آيات الشكر والعرفان لسعيكم احتضان آمال وتطلعات شعوبكم منذ إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية. هذا المجلس الذي تعقد شعوبكم عليه آمالاً كبيرة في تحقيق ' التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها '؛ كما جاء في المادة الرابعة من النظام الأساسي للمجلس. ولقد ارتأينا – نحن مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني – أن نخاطبكم لنطرح عليكم هموم وتطلعات نخبة من أبنائكم ممن لديهم اهتمام بالشأن العام ، و التي هي انعكاس لهموم وتطلعات شعوبكم التي تتطلع إلى غد أفضل وتحقيق ما عقدتم العزم على تحقيقه في مجلسكم الموقر . آملين النظر في هذه الوثيقة التي وضعناها من باب التناصح بين أبناء الوطن الواحد ، عبر إقامة حوار إيجابي بين أبناء المنطقة وحكامها ، وقد أسميناها (وثيقة الخليج) .
إن الأهداف السامية التي قام عليها مجلسكم الموقر منذ أكثر من 26 عاماً – كما جاء في النظام الأساسي – تؤكد على دور المواطن في عملية التنمية والتحديث وصيانة الأمن وتحقيق الرخاء الاقتصادي للشعوب . ولكن للأسف صوت الإنسان – في قرارات مجلسكم الموقر خلال الفترة المنصرمة – كان باهتاً و غير مسموع . وهذا ما أزال الصبغة الشعبية عن المجلس؛ وأبعده عن هموم وتطلعات إنسان الخليج، ولقد اعترف بعض القادة الموقرين و في أكثر من مناسبة بأن المجلس (لم يصل إلى مستوى طموحات وآمال المواطنين). وحتى الهيئة الاستشارية، فقد قيدها قرار ( بحث ما يُحال إليها من المجلس الأعلى )؛ وهذا ما جعلها كإدارة من إدارات عمل مجلس التعاون. لا تطرح هموم المواطنين ولا تسعى إلى تلمس احتياجاتهم أو البحث في قضاياهم الهامة. وبناء على هذه المعطيات بادرت مجموعة من أبنائكم الذين ينتمون إلى مؤسسات المجتمع المدني وشخصيات مهتمة بالشأن العام في دولكم بتوجيه هذه الوثيقة التي يعبرون من خلالها عن رؤى المجتمع المدني وتطلعاته لدور مجلس التعاون المستقبلي في تنمية المجتمعات الخليجية و دعم مسيرة المجلس الذي هو قدر أبناء المنطقة والحاضن الأوفى لهمومهم وتطلعاتهم .
فعلى الصعيد السياسي
وبالرغم من التطور الكبير الذي وصلت إليه شعوب الخليج في مختلف المجالات المهنية والعلوم الإنسانية ، فإنها حتى اليوم بحاجة إلى المشاركة الحقيقية والفعلية في المساهمة في تيسير شؤون الدولة جنباً إلى جنب مع مراكز اتخاذ القرار. فمن الواضح أن هناك سلطات تشريعية – من المفترض لها أن تمثل شعوب المجلس – إلا أنها مقتصرة على استشاريين معينين – وفي بعض الدول أقيمت مجالس منتخبة إلا أنها مع ذلك تفتقر إلى سلطة التشريع الحقيقي ؛ كما تغيب هذه المجالس في بقية الدول . وحيث أننا نرى أن التوجه العالمي الآن يسير نحو تشجيع وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني - كسلطة خامسة – في تحمّل مشاركة الدولة في مسؤولياتها تجاه المجتمع ؛ فإننا نرى أن هذه المؤسسات أيضاً إما غائبة أو مغيبة ؛ ويجرى التضييق على ما هو موجود منها على أرض الواقع ؛ ويزداد تحكّم السلطات التنفيذية بها ؛ على الرغم من أن هذه المؤسسات تطوعية ويستوجب دعمها ومساندتها . إن هنالك حاجة ماسة لتقنين العلاقة في مؤسسات الحكم والشعوب الخليجية بدساتير تعاقدية عصرية تؤمن المشاركة الشعبية في إدارة الحكم . وبما أننا جزء من المجتمع الدولي و حكومتنا صادقت على بعض الاتفاقيات الدولية الخاصة بالأمن والتجارة إلا أنها لم تنضم إلى الاتفاقيات الدولية الخاصة بالحقوق؛ وإن كانت هناك دول في المجلس انضمت لهذه الاتفاقيات إلا أنها لا تطبق نصوص هذه الاتفاقيات على أرض الواقع. و إن الحريات التي كفلتها كافة الشرائع والقوانين والاتفاقيات الدولية لا تزال في خطواتها الأولى – تطبيقاً – في دول مجلس التعاون؛ ولم تتطور إلى مستوى يمكن أن نجزم بوجود مناخ ديمقراطي حر ! لذا فمن المفترض أن تكون الحريات العامة والشخصية على سلم أولوياتنا باعتبارها من المقومات الأساسية التي تحمي وتسند المجتمعات – في السلم والحرب – ولا يمكن أن تنشأ نهضة حضارية دون أن تكون تلك الحريات سندها وحاميها .
وعلى الصعيد الاقتصادي
فإن دول المجلس ؛ وعلى الرغم من المداخيل الخيالية التي دخلت خزائنها من الموارد النفطية – إلا أن هذه المداخيل – في مناح كثيرة – لم توظف بالشكل الصحيح الضامن لبناء مجتمعات خليجية يمكن أن تواجه الألفية الجديدة . خصوصاً في ظل غياب استراتيجيات مقنعة لعصر ما بعد النفط القابل للنضوب . فشعوبنا تعيش أيام الاستهلاكية المترفة ، وبعضها يعيش تحت خط الفقر ، والبعض الآخر ينعم بخيرات النفط بلا حدود ، وهذه الحال لا يمكن أن تؤمن مستقبلاً مضموناً مبنياً على أسس علمية . خصوصاً وأننا نسمع كثيراً عن الاستثمار في الإنسان باعتباره أغلى الثروات ؛ إلا أن الواقع ليس كذلك ، لأن السياسات الاقتصادية تم تجيرها لصالح البعض ، كما تم تهميش السواد الأعظم من الشعوب . وبناء عليه ترى مؤسسات المجتمع المدني والشخصيات العامة المهتمة بالشأن العام ضرورة وجود أفكار جديدة – في المجال الاقتصادي – تحقق رؤية الشعوب وتضمن مستقبلها ؛ على أن تعتمد هذه الأفكار على ديمقراطية و شفافية الصرف ، والتأكيد على وجود تعددية في الاستثمار لصالح المواطن ، وإيجاد بدائل للنفط القابل للنضوب .
وعلى الصعيد الاجتماعي
فلقد اتسم مجتمع الخليج منذ نشأته بترابطه الاجتماعي – كما جاء في ديباجة النظام الأساسي للمجلس – إلا أن التطورات التي صاحبت هذا المجتمع على مدى أكثر من خمسين عاماً أثرت على التركيبة الاجتماعية لدول المجلس لدرجة باتت تشكل خطراً على نسيجه الاجتماعي . وتمثل ذلك بزيادة ملحوظة في نسبة العمالة الوافدة – بدرجة تصل في بعض دول الخليج إلى أكثر من 85% ؛ وهذه النسبة لا تستطيع دول الخليج استيعابها ومواجهة استحقاقاتها من الناحية الاجتماعية وتقديم الرعاية لها والتورط في مشاكلها الأخلاقية وعاداتها وتقاليدها التي جلبتها معها بما في ذلك السلوكيات الاجتماعية والدينية والمشاريع الملتصقة بهذه الجاليات . و هذه الأمور حقيقة تنذر بإحداث خلخلة في المجتمع الخليجي و هو ما بدأنا في ملاحظته في أكثر من موقع. لذا ترى مؤسسات المجتمع المدني والشخصيات المهتمة بالشأن العام ضرورة إعادة النظر في السياسات الخاصة بجلب العمالة الوافدة الرخيصة ؛ وتقنين جلبها إلى المنطقة ، وتأهيل العمالة المحلية / الخليجية باعتبارها محور التنمية المستدامة للمجتمعات الخليجية مما يخلق فرص عمل كبيرة والتقليل من البطالة المقنعة المتفشية بشكل ينذر بخطر كبير على المجتمعات الخليجية ؛ هذا با لإضافة إلى أهمية أن تكون هناك مساحة مناسبة لتوفير العمالة العربية بغرض إحداث التوازن في انحرافات معيار العمالة نحو دول معينة دون الأخرى.
وبما أن المرأة تشكل عنصراً هاماً وفاعلاً لتنشئة الأجيال ؛ وما يشكله ذلك على المستقبل المنظور والبعيد ؛ إلا أن دور المرأة الخليجية مازال محدوداً ، وانجازاتها خلال نصف القرن الماضي لا تعبر عن طموحات وتطلعات مؤسسات المجتمع المدني والشخصيات المهتمة بالشأن العام . لذا نرى بأن تعطى المرأة الخليجية الفرصة الكاملة وتدعم من قبل مؤسسات الحكم لتمارس دورها بما يتواءم والألفية الثالثة ؛ بما في ذلك دخولها كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية و بما يكننا من خلق جيلاً من القيادات النسائية يكون قادراً على التعامل مع مقتضيات العصر والتطلعات المستقبلية ؛ حيث سيكون لذلك الأثر الايجابي الكبير على تنشئة الأجيال القادمة ؛ و بما يضمن لهم التعامل مع المستقبل الذي تشكل إرهاصاته قلقاً لتلك الأجيال ؛ خاصة و أنها في الوقت الحاضر تواجه تحديات كبيرة لا تمكنها من التعامل مع هذه التحديات و استحقاقاتها وفقا لما هو مطلوب نظراً لمحدودية دورها في عملية التنمية .
وعلى الصعيد الأمني
إنه لمن المعروف أن أمن الخليج محط اهتمام العالم وذلك لضرورات إستراتيجية واقتصادية ! لكن هذا لا يعني بالضرورة خضوع دول الخليج لأي نوع من أنواع الهيمنة. و ما يجب التركيز عليه و تأكيده هو إن أمن الخليج من مسؤوليات شعوب ودول الخليج .
ولعلنا نستذكر هنا قرار سموكم في قمة ابوظبي عام 1981 : ' حين استعرضتم الوضع الراهن في المنطقة ؛ وجددتم التأكيد بأن أمن المنطقة واستقرارها إنما هو مسؤولية شعوبها ودولها ، و أكدتم أيضا في أن هذا المجلس إنما يعبر عن إرادة هذه الدول وحقها في الدفاع عن أمنها وصيانة استقلالها. وفيما عدى ذلك تأكيدكم بالمطلق رفض لأي تدخل أجنبي في المنطقة مهما كان مصدره. وطالبتم كذلك بضرورة إبعاد المنطقة بأكملها عن الصراعات الدولية وخاصة قضية تواجد الأساطيل العسكرية والقواعد الأجنبية لما في مصلحة دول المجلس و مصلحة العالم اجمع '
وحيث أن الوضع الحالي للأمن في المنطقة يخالف تلك الرؤية الرشيدة التي وردت في بيانكم الأول عام 1981 ؛ فإنه من المهم أن تتفق دول المجلس على صيغ وترتيبات واضحة لصيانة الأمن في المنطقة وعدم تعريض مستقبل شعوب الخليج لمغامرات عسكرية جديدة بعيدة عن إملاءات الدول الكبرى . كما أن الأمن ليس هو العسكري فقط ، إذ أن الأمن الشامل هو الذي يحفظ المجتمعات من الاتجاهات المتطرفة والسلوكيات الشاذة ، ويقيم أود العلاقات الخليجية التي كانت سائدة قبل عصور النفط وقبل المعاهدات العسكرية مع الدول الكبرى .
إن نذر الحرب تلوح في الأفق – في هذه المرحلة – بين الدول الكبرى وإيران بسبب البرنامج النووي الإيراني . ويجرى تجيش الرأي العام العالمي لتوجيه ضربات إلى إيران؛ فالتخوف الأكبر هو أن تكون دول مجلس التعاون أول المتضررين من هذه الحرب على المستوى الاقتصاديً و البشريً و المادي في الوقت الذي لا تقيم الدول الكبرى وزناً لشعوب المنطقة تجاه ما يمكن أن تسفر عنه الأوضاع من تداعيات وكأنها بما تقوم به يأتي من منطلق ما لدى هذه الدول من قناعات في أنها تملك المنطقة بأسرها وتتصرف بها كما تشاء ؛ علماً بأن استحقاقات الحرب كلها ستكون على شعوب المنطقة ! وهذا يتطلب من دول المجلس أن تعلن موقفاً واضحاً وصريحاً بأنها ضد أي اعتداء على إيران – الجارة المسلمة – وضرورة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من جميع أشكال أسلحة الدمار الشامل مهما كان مصدرها – إيران أو إسرائيل - ! ويجب أن تدخل دول المجلس في حوار مباشر مع إيران لضمان أمن المنطقة بالتساوي ودون هيمنة أو تدخل في الشؤون الداخلية لأي من الدول . كما يجب أن تتوافر الجهود لعدم إلقاء مزيد من الزيت على الحرب الدائرة في العراق. وضرورة ترك أمور شؤونه الداخلية بيد أبنائه.
أما عن الجيش الخليجي الموحد ( درع الجزيرة ) فإن الظروف الحالية للواقع العسكري والأمني في دول المجلس لا تسمح بتطوير ذاك الجيش ؛ لأننا – في حقيقة الأمر- لم نهيئ المناخ لوجود جيش وطني نأتمنه على مقدرات البلاد . كما أن القواعد الأجنبية في المنطقة تقوم بمهام هذا الجيش الذي يفتقر إلى الوطنية والقوة والتدريب ! ولعل حرب تحرير الكويت قد أثبتت مدى محدودية هذا الجيش . و من هنا ، فإن على دول مجلس التعاون أن تبحث الشأن العسكري والأمني بكل جوانبه دون أن تلجاً إلى التجزئة أو الانشطار في التعامل مع هذا الموضوع الحيوي والهام .
و على الصعيد البيئي
إننا وإذ نراقب ما آلت إليه الحالة البيئية لمنطقة الخليج العربي من تدمير بسبب الحروب التي مرت بها وبسبب ضعف التوجهات البيئية الجادة للجهات المسئولة عن البيئة في حكومات المنطقة لندعو إلى النظر بعين الاعتبار إلى أهمية العمل الجاد نحو معالجة الأوضاع البيئية المتردية التي تمر بها المنطقة والتي لا يمكن أن ننجح في معالجتها إلا بعد تحقيق تعاون بيئي شامل يتضمن جميع الجهات البيئية الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني البيئية الخليجية.
إن المطالبة بتفعيل الدور البيئي للأمانة العامة لدول مجلس التعاون وإعادة النظر في أسلوب تعاطيها مع المشاكل البيئية ومع مؤسسات المجتمع المدني البيئية الخليجية يعد مطلبا هاماً وملحاً لجميع مؤسسات المجتمع المدني البيئية الخليجية حيث حققت هذه المؤسسات العديد من الانجازات المحلية والدولية وباتت تؤثر في التوجهات البيئية العالمية، وعليه فإن تعاون حكومات دول الخليج مع هذه المؤسسات يعد أمر مهماً للغاية خصوصا وإنها تعتبر العين الثالثة لشعوب وقادة دول المنطقة.
إننا نطالب باستكمال التشريعات البيئية وتطبيقها على أرض الواقع والنظر بعين الاعتبار إلى حجم المشاكل والمنازعات البيئية التي لم يتم الوصول إلى حل لها بسبب نقص وضعف التشريعات البيئية المعمول بها حاليا.
و لذلك إن الدعوة إلى تحرير مؤسسات المجتمع المدني البيئية من هيمنة بعض المسؤولين في حكومات دول المنطقة أمر مهم للغاية فالتدخل الحكومي في عمل مؤسسات المجتمع المدني البيئية سيؤدي إلى نتائج عقيمة لن تستفيد منها دول المنطقة. بل انه من الضروري أن يعاد النظر في قوانين إشهار مؤسسات المجتمع المدني البيئية التي لا تزال مجمده أو غير موجودة أساسا في بعض الدول.
و لذلك ما نود التأكيد عليه هو أن دول المنطقة تجرعت في مراحل و أوقات عديدة مرارات التلوث بأشكاله وخسرت حكوماتها المليارات بسبب ذلك !!! كما أنها خسرت قبل ذلك شبابها الذي دبت بين الكثير منهم الأمراض الناتجة عن التلوث، وباتت المطالبة بالحماية الجدية والفاعلة لحقوق الإنسان البيئية مطلباً شعبيا ملحاً و هو ما نسعى لأجله من خلال هذه الوثيقة التي نضعها بين يدي جلالتكم و سموكم.
وفقكم الله ذخرا لأوطاننا و شعوبنا و أدام الله عز الخليج و قيادته الميمونة
اللجنة التحضيرية لأعداد وثيقة الخليج المقدمة لقادة
مجلس التعاون الخليجي في قمتهم لعام 2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق