سنوات حلم الأمن الجماعي الخليجي
1986-1990
في عام 1984م وبعد وقوف دول مجلس التعاون العلني من خلال المساعدات إلى جانب العراق،أصبح بالإمكان الإعلان عن تشكيل قوة تدخل سريع ،حيث ظهرت إلى الوجود قوة درع الجزيرة كأول تعاون عسكري بين هذه الدول، وهو التطور الأبرز بين الإنجازات التي حققتها دول المجلس في المجال العسكري وكان الهدف أن تتشكل القوة من لواءين بعشرة آلاف رجل، حيث بدأ تجمعها في مقرها بمدينة الملك خالد بن عبد العزيز العسكرية في حفر الباطن قرب الكويت منذ عام 1985م،وقد تشكلت القوة وما تزال تحت قيادة قائد سعودي ،وأن يكون نائبة ضابطا كويتيا، وضمت القوة قيادة للأركان ولواء مشاة من خمسة آلاف رجل من كافة دول المجلس،وكانت المناورات البرية والجوية المشتركة قد ظهرت بين الكويت والسعودية منفردة منذ 1983م،ولهاتين الدولتين الدور الكبير في حث بقية الأعضاء على الدعم والمشاركة في قوة درع الجزيرة،وقد جذبت تلك المناورات البحرين ثم عمان.
وفي تصريح يعكس استمرار شعور الخليجيين بضرورة نفي العسكرة عن تجمعهم،أعلن الأمين العام للمجلس عبد الله بشارة، في عام 1984م1 أن قيام قوة درع الجزيرة تشكلت بسبب ظروف الحرب العراقية الإيرانية،كما أعلن أن هذه القوة ستنتهي بانتهاء الظروف التي أوجدتها !!
لقد كان إنشاء هذه القوات في بداية الأمر لمجرد التأكيد على التزام دول الخليج بالدفاع المشترك عن بعضها البعض ،ولم يكن الردع ضمن إمكانيات هذه القوات في بداية إنشائها،وكانت جوانب القصور في قوة درع الجزيرة ظاهرة ومعروفة منذ إنشائها في منتصف الثمانينيات وقد تعرضت لانتقادات محلية عدة، لكن طغيان العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية على الجانب العسكري من التعاون الخليجي ،أبعدت الأنظار عن هذا الجانب، ولعل أول هزة لهذه القوة ،قد جاءت في الفترة بين يونيو- يوليو 1987م عندما كانت الكويت ترزح تحت خطاب إعلامي إيراني شديد اللهجة ، اتبعته بصواريخ سيلك وورم التي أخذت في التساقط على المنشآت النفطية الكويتية،حيث طلبت الكويت من دول المجلس انضمام قوات درع الجزيرة للقوات الكويتية ،كإجراء احترازي ذي دلالات سياسية على التضامن الخليجي،لكن جولة الأمين العام للمجلس على الدول الأعضاء ،لم تستقبل بالترحيب الذي توقعته الكويت،بل كانت هناك تحفظات من بعض الدول الخليجية، ولم ينفذ ما طالبت به الكويت2.
ولأن الخطر المحتمل كان جوي المصدر فقد كانت تطلعات الخليجيين في خضم الحرب العراقية الإيرانية ترنو إلى التعاون في مجال الربط الراداري والإنذار المبكر كخطوة أولى للتعاون العسكري،وكان الاعتماد يتم على ألاواكس السعودية كمظلة في وجه ذلك الخطر ،إلا أن اختلاف أنظمة الاتصالات في هذه الدول حال دون أن تكتمل التطلعات في نظام إنذار متكامل،وظل الاتفاق حتى نهاية الثمانينيات قائما على ضرورة إيجاد نظام قيادة وسيطرة واتصالات واستخبارات أو مايعرف باسم( C4I) حيث سيسهل هذا النظام من إجراءات التنسيق القتالية بين القوات الخليجية،لكن العقد انقضى دون تحقيق ذلك،وإن استمرت الجهود لبناء منظومة حزام التعاون لربط مراكز العمليات في جيوش المجلس .
لقد كان رؤساء الأركان على علم بنقص القوى البشرية في قوة درع الجزيرة ،لكن أهم معوقات عملهم لم تكن في حفر الباطن فقط بل حتى في جيوشهم،ولم يكن هناك مخرج من هذه الإشكالية،بل زادها تعقيدا أن الهدف في خلق قوة برجال خليجيين لم يتحقق،حيث إن جيوش المجلس كانت تضم أفرادا من دول أخرى،ليس بالإمكان التخلي عنهم في الوحدات التي تخدم في حفر الباطن،كما أن حصة كل دولة من عدد الرجال كانت مثار نقاش دائم في اجتماعاتهم .
كان من اللافت للنظر أن المناورات البرية لدرع الجزيرة وهي قوة برية فقط لم تكن تتم في الثمانينيات بشكل مكثف بل كانت تتم كل عامين،مما يدل على فقدان تلك القوة إما لمخططي التمرينات من الكفاءات العسكرية،أو للقناعة بأن القوة لن تكون ذات شأن ولا داعي لإهدار الطاقات في تدريبها،إلا أن الأمر كان مختلفا في المناورات بين القوات الجوية والبحرية للدول الأعضاء ،حيث كان هناك تمرين سنوي.كما كان التعليم والتدريب العسكري المشترك قليلا بين جيوش المجلس رغم تخرج بعض الضباط من الكليات العسكرية الخليجية المختلفة،إلا أن تلقي دورات القيادة والأركان لم يكن على نطاق مشجع في الثمانينيات، لقد كانت الرمزية في المشاركات هي الطابع السائد في التدريب والتمرينات المشتركة.
ولم يكن نظام القيادة والسيطرة هو ماكانت تحتاج إليه قوات مجلس التعاون فقط،بل كانت تفتقد إلى توحيد هيكل تعاونها من خلال وحدة القيادة،و تفتقد إلى وضع عقيدة قتالية مشتركة توضح كيف تقاتل هذه المجاميع في الميدان بنفس الأسلوب ونفس الأولويات ،من حيث تبني الدفاع أو الهجوم،أو الاقتصاد في الجهد حتى وصول التعزيزات ،وعلى الغرار نفسه افتقدت القوات الخليجية إلى الاتفاق على قواعد اشتباك مشتركة توحد بين جيوشها كيفية التعامل مع المغيرين،حتى لايكون هناك ضحايا لنيران صديقة3 .
وكان هناك قصور في عمليات الإمداد والتموين التي افتقدت البنية التحتية من آليات ورجال وخطط ،حيث نجد توحيد نوعية السلاح وهو أسهل سبل التعاون بين هذه القوات لم يتم حتى ذلك الحين ،وأقل من ذلك توحيد سلاح جنود المشاة،بل أقل من ذلك أيضا توحيد الذخيرة ،كما في حلف شمال الأطلسي حيث تصنع بريطانيا بنادق غير التي تصنعها الولايات المتحدة الأمريكيةوألمانيا،لكن ذخيرتها واحدة،ومما سبق نستطيع الجزم بأن استيراد الأسلحة كان يتم دون أن يحقق أهدافا مدرجة في حلم التعاون العسكري الخليجي ،ورغم الهدر إلا انه لم يكن ليصل إلى مستوى الهدر الجاري في المشروعات المدنية،وأنتهي عقد الثمانينيات دون أن تستطيع دول مجلس التعاون ككتلة واحدة تحقيق قيادة عسكرية موحدة ،كما فشلت في اجتياز علم الحرب العصرية حيث لم يكن من قدرات قوة درع الجزيرة إدارة معركة مشتركة ناجحة،لفقدانها للقيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات ،ودقة الإصابة ،وتقدير الدمار.
لم تكن القوات الخليجية في حفر الباطن متماسكة،ولم تكن في بلدانها ذات عمق دفاعي مناسب ،و كان منتسبوها متواضعي القدرات لفقدان التوصيف الوظيفي ،وهيكل الترقيات المبني على الكفاءة فقط،كما عانت القوات الخليجية من ضعف التدريب الفني ،ولم تكن هناك قدرة على الإنقاذ والإصلاح السريع للمعدات في المعركة ،مع عدم القدرة على منع العدومن السيادة الجوية في سماء الخليج،لضعف التدريب على قتال الاشتباكات الجوية،ولوجود عقبات في عمل دفاع جوي مشترك بين دول المجلس .
ولم تثبت تمارين درع الجزيرة قدرة على القتال الليلي وفي الظروف الجوية والأراضي العسيرة ،كما لم يكن هناك ما يدل على قيام قوات درع الجزيرة بالتمرينات التي تظهر القدرة على التعبئة العامة، واستدعاء الاحتياط والمتطوعين ،ورغم أن قوات دول مجلس التعاون في درع الجزيرة أو التي ترابط في بلدانها تمتاز بالحجم الصغير، إلا أن قادتها لم يتبنوا فكرة القتال بمجموعات صغيرة من المشاة ،وبشكل عام كانت المناورات البرية قلية جدا ولم يتم خلق ظروف قتال حقيقة خلالها،ورغم الطموحات في هذا المجال إلا أن التوحيد في العسكرية الخليجية لم يحقق شيئا يذكر،فلا الذخيرة واحدة ولا أنظمة الأسلحة المتقدمة متشابهة .
16 عاما من التردد
1991--2007
بعد أن وضعت الحرب العراقية الإيرانية أوزارها تقلص حماس دول المجلس لهذه القوة عما كان عليه عند تشكيلها،وتقلصت المساهمات إلى الحد الذي لم يعد يسمح بتشكيل قوة جماعية،وكان من تبعات ذلك أن قوة درع الجزيرة لم تتدخل لمواجهة الغزو العراقي لدولة الكويت ،سواء قبل أو في أثناء عملية الغزو4 وقد برر عدم التدخل بعدم طلب الكويت ذلك رسميا5 ، بل أن مشروع عمان لزيادة القوة إلي حجم لواء لم يجد أذنا صاغية 6، وقد وصل باحث عسكري خليجي إلى أن الأمور قد انتهت إلى عدم إمكانية قيام جيش خليجي موحد لوجود صعوبات عدة منها اختلاف المصالح والخلافات التاريخية الحدودية ،واختلاف
التمسك بقوة درع الجزيرة
بعد الغزو العراقي لدولة الكويت،ودخول تحالف دولي لطرد القوات العراقية تغيرت البيئة الأمنية بشكل كبير، وقد شملت التغيرات نظرة دول مجلس التعاون لقوة درع الجزيرة خاصة بعد فشلها الذريع في القيام بالدور المناط بها في حال تعرض أحد دول المجلس لغزو خارجي .
ردة الفعل الخليجية تجاه قوة درع الجزيرة في السنوات التي أعقبت غزو وتحرير الكويت كانت متناقضة جدا وتراوحت بين الشعارات والخطب التي تدعو للتمسك بقوة درع الجزيرة من جهة وبين التشكيك في جدواها من جهة أخرى عبر عقد اتفاقيات أمنية مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.وفي السياق نفسه قدم السلطان قابوس مشروع لزيادة حجم وتسليح وتطوير القوة بتكوين جيش يقارب عدد رجاله مائة ألف رجل، وكان الرد الخليجي هو قيام مؤتمر القمة الذي عقد بعد تحرير الكويت 1991م بوأد فكرة السلطان قابوس بشكل صريح لا يقبل الالتباس .
وفي 31 ديسمبـر2000م وفي قفزة نحو الأمن الجماعي جاءت اتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتلخص منشورات الأمانة العامة لمجلس التعاون الانجازات العسكرية في عدة نواحي منها المشاريع المشتركـة التي ضمت مشروع حزام التعاون الهادف إلى ربط مراكز عمليات القوات الجوية والدفاع الجوي بدول المجلس آليا ، وبدأ تشغيل المرحلة الأولى منه في نهاية شهر ديسمبر 2001م . ثم مشروع الاتصالات المؤمنـة ويهدف إلى ربط القوات المسلحة في دول المجلس بشبكة اتصالات مؤمنة ، وذلك من خلال إقامة كيبل ألياف بصرية، وقد بدأ تشغيل المشروع بتاريخ 28 يونيو 2000م ، وفي سياق آخر تم العمل بنجاح في توحيد الأسس والمفاهيـم العسكرية المعمول بها في دول المجلس لزيادة التكاتف ، وتسهيل تبادل المساندة والاستفادة المتبادلة من الإمكانيات المتوفرة في دول المجلس ، وقد شمل ذلك جانبين رئيسيين هما التمارين المشتركةوتوحيد الكراسات والمناهج العسكريـة .
ثم ازدادت وتيرة التعاون قبيل حرب تحرير العراق حين اتخذ وزراء الدفاع والخارجية في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الاجتماع الذي عقد في جدة 8 فبراير 2003 ، قرارا يقضي بنقل قوات درع الجزيرة الى الكويت، اعرابا عن التضامن، وتأكيدا على المسؤولية الأمنية والدفاعية المشتركة بين دول المجلس. على أن تبدأ قوات درع الجزيرة التي تضم نحو 23 ألف جندي من مختلف التخصصات العسكرية، بالتمركز في الكويت.
التشكيك بجدواى بقوة درع الجزيرة
تضافرت عدة ظروف داخلية وخارجية ضد استمرار درع الجزيرة وهي كالتالي:
الظروف الداخلية
بعد حرب تحرير العراق 2003م ظهرت في دول الخليج العربي عدة مؤشرات بدت وكأنها تسير في الاتجاه المعاكس للمحافظة على قوة درع الجزيرة ودعمها ، ومن تلك المؤشرات الانقلاب في الموقف العماني الذي ظهر وكأنه جاء نكاية في موقف دول المجلس من مبادرة السلطان قابوس لزيادة حجم القوة ، حيث صرح يوسف بن علوي وزير الشؤون الخارجية العماني، في 20-11-2005م، أن قوة درع الجزيرة لم يعد لها حاجة بعد زوال نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين ، ثم جاء الموقف السعودي من خلال اقتراح الملك عبدا لله في ديسمبر2005بإعادة هيكلة قوات درع الجزيرة والذي يقضي بأن تشرف كل دولة على وحداتها المخصصة لقوات درع الجزيرة التي يمكن استدعاؤها في حال الضرورة، وتتكون من قوات مشتركة في الأمانة العامة، لها قيادة وضباط ومسئولون، وتقوم بمناورات مستمرة للقوات البرية والجوية والدفاع الجوي والبحرية، هذه القوات سيعاد تنظيمها في بلدانها، وستأتي للتدريب مرة أو مرتين سنوياً، أو يتم طلبها حسب الحاجة والخطط .
دوافع هذه المؤشرات مردها ولا شك عدم المشاركة الفعالة من دول المجلس في قوة درع الجزيرة، بالإضافة إلى الاتجاه العام بضرورة الاعتماد على القوات الخارجية فيما يخص المسائل الأمنية، حيث قامت معظم دول المجلس بتوقيع اتفاقيات دفاعية مع الدول الخمس الكبرى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن،وتضمنت التواجد الأجنبي لقواتها على أراضي هذه الدول والدفاع عنها، مما قلل من أهمية قوات درع الجزيرة ، بالاضافة الى التقرب من حلف شمال الأطلسي بخطوات جادة، واتدافع للحصول على صفة الشريك المميز مع الدول الغربية .وهناك من يقول أن وجود قوة درع الجزيرة يرتبط بالتنازل عن سيادة كل دولة لصالح متطلبات الأمن الجماعي ويقلل من ثقل كل دولة على مجالها الإقليمي، وهنا نقول أن قضية السيادة كانت ولا تزال عدو منظومة مجلس التعاون ليس في المجال العسكري فحسب بل في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية وغيرها .
الظروف الخارجية
لم تنظر جمهورية إيران الإسلامية بعين الارتياح لمجلس التعاون ككل،ووصمته بنعوت عدة لعل أكثرها وضوحا قيامه بإيحاءات أمريكية، بل أن قيامه قد قوبل بالاستهجان العراقي حتى تبين لنظام البعث وقوف المجلس الى جانب العراق في حربه مع إيران،وبعد مرور الوقت تقبله الطرفين على مضض لدوره في تغيير ميزان القوة الإستراتيجية في تلك المنطقة.
على مستوى آخر أقام صدام حسين مجلس التعاون العربي7 قاصدا عدة أمور لعل منها أن يكون المجلس العربي موازنا للمجلس الخليجي ، وبعد حرب تحرير الكويت حاولت سوريا ومصر توظيف محدودية القدرات العسكرية الخليجية بمقايضة الدعم الاقتصادي الخليجي لدمشق والقاهرة، بالقوة العسكرية والزخم البشري بمشروع أمني سمي اتفاق إعلان دمشق، لكن ذلك الاتفاق قوبل بعوائق عدة لعل أبرزها من الخليجيين أنفسهم ، حيث لم يروا فيه مايغري مقارنة بما قد يجدونه مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ، ثم انهار المشروع بعد الاحتجاجات الدبلوماسية والضغوط من قبل إيران التي وجدت انه عودة للقومية العربية لمياه الخليج وهي التي حاربتها في الخليج إبان المد القومي في منتصف القرن الماضي ، لتأتي التحفظات الاميركية أكثر صراحة ضد أية دور مصري أو سوري في أمن دول الخليج العربي .
وعند الحديث عن الولايات المتحدة الأمريكية نذكر أنها لم تشجع قيام قوة درع الجزيرة كما لم تؤيد بقاءها من خلال التقليل من جدواها عبر عرض ما يمكن ان تقدمه الولايات المتحدة تحت مظلة الاتفاقيات الأمنية بينها وبين دول المجلس كل على حدة ، وهو نفس التوجه الذي بنته الدول الغربية الأخرى ، وبمعنى اخر كان الغرب ضد الامن الجماعي الخليجي8.
إنهاء حلم جابر في قمة جابر
كان أمير الكويت الراحل المغفور له الشيخ جابر الأحمد هو صاحب فكرة إنشاء مجلس التعاون الخليجي، وكان المجلس الذي أراده كيان خليجي موحد في جميع المجالات بما فيها المجال العسكري وتحقيق فكرة الأمن الجماعي . ومن سخريات الأمور أن تعقد في الرياض في 9- 10ديسمبر 2006م الدورة السابعة والعشرين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون تحت أسم "قمة الشيخ جابر" وفيها كان لابد من حسم موضوع طال الجل فيه وهو مستقبل قوة درع الجزيرة حيث اتفق المؤتمرون على اعتماد مرئيات تطوير قوة درع الجزيرة وإعادة هيكلة القوة بشكل جديد ، وما سبق هو مسميات مهذبة لما اكثر تعاسة ونقصد بذلك تفكيك قوة درع الجزيرة .
إذا استثنينا السلطان قابوس أطال الله في عمرة يكون الشيخ جابر الأحمد آخر الرجال الذين وقعوا على ميثاق قيام المجلس فهل كانوا ينتظرون وفاته لدفن حلمه بمجلس موحد في جميع النواحي ؟. إن إنشاء قوة درع الجزيرة كان حلمًا في نفوس الجيل الأول أو الجيل المؤسس للنهضة الخليجية فهل كان التمسك بقوة درع الجزيرة أمر عاطفي ارتبط بأحداث ورجال عاشوا في وجدان جيل كامل ؟
لم يكن ذلك الحلم بعيدا عن العقلانية رغم كون قوة درع الجزيرة قوة عسكرية رمزية، لم تصل بعد إلى مستوى جيش خليجي موحد، على الرغم من الآمال العريضة التي علقت عليها للوصول إلى هذا الهدف.
إن ابسط الجوانب الايجابية في بقاء قوة درع الجزيرة هو كونها النجاح الوحيد بين عدة تجارب لم يحالفها النجاح لإقامة نواة جيش عربي موحد ، لقد كانت قوة درع الجزيرة " نموذجًا يمكن الاحتذاء به من قبل تجمعات إقليمية أخرى. وكانت هما استراتيجيا لم تتقبله إيران أو العراق أو الولايات المتحدة أو الدول الغربية وكان ذلك صك نجاحه.
نتمنى أن يحالف مشروع تطوير وإعادة هيكلة قوة درع الجزيرة التوفيق .
1986-1990
في عام 1984م وبعد وقوف دول مجلس التعاون العلني من خلال المساعدات إلى جانب العراق،أصبح بالإمكان الإعلان عن تشكيل قوة تدخل سريع ،حيث ظهرت إلى الوجود قوة درع الجزيرة كأول تعاون عسكري بين هذه الدول، وهو التطور الأبرز بين الإنجازات التي حققتها دول المجلس في المجال العسكري وكان الهدف أن تتشكل القوة من لواءين بعشرة آلاف رجل، حيث بدأ تجمعها في مقرها بمدينة الملك خالد بن عبد العزيز العسكرية في حفر الباطن قرب الكويت منذ عام 1985م،وقد تشكلت القوة وما تزال تحت قيادة قائد سعودي ،وأن يكون نائبة ضابطا كويتيا، وضمت القوة قيادة للأركان ولواء مشاة من خمسة آلاف رجل من كافة دول المجلس،وكانت المناورات البرية والجوية المشتركة قد ظهرت بين الكويت والسعودية منفردة منذ 1983م،ولهاتين الدولتين الدور الكبير في حث بقية الأعضاء على الدعم والمشاركة في قوة درع الجزيرة،وقد جذبت تلك المناورات البحرين ثم عمان.
وفي تصريح يعكس استمرار شعور الخليجيين بضرورة نفي العسكرة عن تجمعهم،أعلن الأمين العام للمجلس عبد الله بشارة، في عام 1984م1 أن قيام قوة درع الجزيرة تشكلت بسبب ظروف الحرب العراقية الإيرانية،كما أعلن أن هذه القوة ستنتهي بانتهاء الظروف التي أوجدتها !!
لقد كان إنشاء هذه القوات في بداية الأمر لمجرد التأكيد على التزام دول الخليج بالدفاع المشترك عن بعضها البعض ،ولم يكن الردع ضمن إمكانيات هذه القوات في بداية إنشائها،وكانت جوانب القصور في قوة درع الجزيرة ظاهرة ومعروفة منذ إنشائها في منتصف الثمانينيات وقد تعرضت لانتقادات محلية عدة، لكن طغيان العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية على الجانب العسكري من التعاون الخليجي ،أبعدت الأنظار عن هذا الجانب، ولعل أول هزة لهذه القوة ،قد جاءت في الفترة بين يونيو- يوليو 1987م عندما كانت الكويت ترزح تحت خطاب إعلامي إيراني شديد اللهجة ، اتبعته بصواريخ سيلك وورم التي أخذت في التساقط على المنشآت النفطية الكويتية،حيث طلبت الكويت من دول المجلس انضمام قوات درع الجزيرة للقوات الكويتية ،كإجراء احترازي ذي دلالات سياسية على التضامن الخليجي،لكن جولة الأمين العام للمجلس على الدول الأعضاء ،لم تستقبل بالترحيب الذي توقعته الكويت،بل كانت هناك تحفظات من بعض الدول الخليجية، ولم ينفذ ما طالبت به الكويت2.
ولأن الخطر المحتمل كان جوي المصدر فقد كانت تطلعات الخليجيين في خضم الحرب العراقية الإيرانية ترنو إلى التعاون في مجال الربط الراداري والإنذار المبكر كخطوة أولى للتعاون العسكري،وكان الاعتماد يتم على ألاواكس السعودية كمظلة في وجه ذلك الخطر ،إلا أن اختلاف أنظمة الاتصالات في هذه الدول حال دون أن تكتمل التطلعات في نظام إنذار متكامل،وظل الاتفاق حتى نهاية الثمانينيات قائما على ضرورة إيجاد نظام قيادة وسيطرة واتصالات واستخبارات أو مايعرف باسم( C4I) حيث سيسهل هذا النظام من إجراءات التنسيق القتالية بين القوات الخليجية،لكن العقد انقضى دون تحقيق ذلك،وإن استمرت الجهود لبناء منظومة حزام التعاون لربط مراكز العمليات في جيوش المجلس .
لقد كان رؤساء الأركان على علم بنقص القوى البشرية في قوة درع الجزيرة ،لكن أهم معوقات عملهم لم تكن في حفر الباطن فقط بل حتى في جيوشهم،ولم يكن هناك مخرج من هذه الإشكالية،بل زادها تعقيدا أن الهدف في خلق قوة برجال خليجيين لم يتحقق،حيث إن جيوش المجلس كانت تضم أفرادا من دول أخرى،ليس بالإمكان التخلي عنهم في الوحدات التي تخدم في حفر الباطن،كما أن حصة كل دولة من عدد الرجال كانت مثار نقاش دائم في اجتماعاتهم .
كان من اللافت للنظر أن المناورات البرية لدرع الجزيرة وهي قوة برية فقط لم تكن تتم في الثمانينيات بشكل مكثف بل كانت تتم كل عامين،مما يدل على فقدان تلك القوة إما لمخططي التمرينات من الكفاءات العسكرية،أو للقناعة بأن القوة لن تكون ذات شأن ولا داعي لإهدار الطاقات في تدريبها،إلا أن الأمر كان مختلفا في المناورات بين القوات الجوية والبحرية للدول الأعضاء ،حيث كان هناك تمرين سنوي.كما كان التعليم والتدريب العسكري المشترك قليلا بين جيوش المجلس رغم تخرج بعض الضباط من الكليات العسكرية الخليجية المختلفة،إلا أن تلقي دورات القيادة والأركان لم يكن على نطاق مشجع في الثمانينيات، لقد كانت الرمزية في المشاركات هي الطابع السائد في التدريب والتمرينات المشتركة.
ولم يكن نظام القيادة والسيطرة هو ماكانت تحتاج إليه قوات مجلس التعاون فقط،بل كانت تفتقد إلى توحيد هيكل تعاونها من خلال وحدة القيادة،و تفتقد إلى وضع عقيدة قتالية مشتركة توضح كيف تقاتل هذه المجاميع في الميدان بنفس الأسلوب ونفس الأولويات ،من حيث تبني الدفاع أو الهجوم،أو الاقتصاد في الجهد حتى وصول التعزيزات ،وعلى الغرار نفسه افتقدت القوات الخليجية إلى الاتفاق على قواعد اشتباك مشتركة توحد بين جيوشها كيفية التعامل مع المغيرين،حتى لايكون هناك ضحايا لنيران صديقة3 .
وكان هناك قصور في عمليات الإمداد والتموين التي افتقدت البنية التحتية من آليات ورجال وخطط ،حيث نجد توحيد نوعية السلاح وهو أسهل سبل التعاون بين هذه القوات لم يتم حتى ذلك الحين ،وأقل من ذلك توحيد سلاح جنود المشاة،بل أقل من ذلك أيضا توحيد الذخيرة ،كما في حلف شمال الأطلسي حيث تصنع بريطانيا بنادق غير التي تصنعها الولايات المتحدة الأمريكيةوألمانيا،لكن ذخيرتها واحدة،ومما سبق نستطيع الجزم بأن استيراد الأسلحة كان يتم دون أن يحقق أهدافا مدرجة في حلم التعاون العسكري الخليجي ،ورغم الهدر إلا انه لم يكن ليصل إلى مستوى الهدر الجاري في المشروعات المدنية،وأنتهي عقد الثمانينيات دون أن تستطيع دول مجلس التعاون ككتلة واحدة تحقيق قيادة عسكرية موحدة ،كما فشلت في اجتياز علم الحرب العصرية حيث لم يكن من قدرات قوة درع الجزيرة إدارة معركة مشتركة ناجحة،لفقدانها للقيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات ،ودقة الإصابة ،وتقدير الدمار.
لم تكن القوات الخليجية في حفر الباطن متماسكة،ولم تكن في بلدانها ذات عمق دفاعي مناسب ،و كان منتسبوها متواضعي القدرات لفقدان التوصيف الوظيفي ،وهيكل الترقيات المبني على الكفاءة فقط،كما عانت القوات الخليجية من ضعف التدريب الفني ،ولم تكن هناك قدرة على الإنقاذ والإصلاح السريع للمعدات في المعركة ،مع عدم القدرة على منع العدومن السيادة الجوية في سماء الخليج،لضعف التدريب على قتال الاشتباكات الجوية،ولوجود عقبات في عمل دفاع جوي مشترك بين دول المجلس .
ولم تثبت تمارين درع الجزيرة قدرة على القتال الليلي وفي الظروف الجوية والأراضي العسيرة ،كما لم يكن هناك ما يدل على قيام قوات درع الجزيرة بالتمرينات التي تظهر القدرة على التعبئة العامة، واستدعاء الاحتياط والمتطوعين ،ورغم أن قوات دول مجلس التعاون في درع الجزيرة أو التي ترابط في بلدانها تمتاز بالحجم الصغير، إلا أن قادتها لم يتبنوا فكرة القتال بمجموعات صغيرة من المشاة ،وبشكل عام كانت المناورات البرية قلية جدا ولم يتم خلق ظروف قتال حقيقة خلالها،ورغم الطموحات في هذا المجال إلا أن التوحيد في العسكرية الخليجية لم يحقق شيئا يذكر،فلا الذخيرة واحدة ولا أنظمة الأسلحة المتقدمة متشابهة .
16 عاما من التردد
1991--2007
بعد أن وضعت الحرب العراقية الإيرانية أوزارها تقلص حماس دول المجلس لهذه القوة عما كان عليه عند تشكيلها،وتقلصت المساهمات إلى الحد الذي لم يعد يسمح بتشكيل قوة جماعية،وكان من تبعات ذلك أن قوة درع الجزيرة لم تتدخل لمواجهة الغزو العراقي لدولة الكويت ،سواء قبل أو في أثناء عملية الغزو4 وقد برر عدم التدخل بعدم طلب الكويت ذلك رسميا5 ، بل أن مشروع عمان لزيادة القوة إلي حجم لواء لم يجد أذنا صاغية 6، وقد وصل باحث عسكري خليجي إلى أن الأمور قد انتهت إلى عدم إمكانية قيام جيش خليجي موحد لوجود صعوبات عدة منها اختلاف المصالح والخلافات التاريخية الحدودية ،واختلاف
التمسك بقوة درع الجزيرة
بعد الغزو العراقي لدولة الكويت،ودخول تحالف دولي لطرد القوات العراقية تغيرت البيئة الأمنية بشكل كبير، وقد شملت التغيرات نظرة دول مجلس التعاون لقوة درع الجزيرة خاصة بعد فشلها الذريع في القيام بالدور المناط بها في حال تعرض أحد دول المجلس لغزو خارجي .
ردة الفعل الخليجية تجاه قوة درع الجزيرة في السنوات التي أعقبت غزو وتحرير الكويت كانت متناقضة جدا وتراوحت بين الشعارات والخطب التي تدعو للتمسك بقوة درع الجزيرة من جهة وبين التشكيك في جدواها من جهة أخرى عبر عقد اتفاقيات أمنية مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.وفي السياق نفسه قدم السلطان قابوس مشروع لزيادة حجم وتسليح وتطوير القوة بتكوين جيش يقارب عدد رجاله مائة ألف رجل، وكان الرد الخليجي هو قيام مؤتمر القمة الذي عقد بعد تحرير الكويت 1991م بوأد فكرة السلطان قابوس بشكل صريح لا يقبل الالتباس .
وفي 31 ديسمبـر2000م وفي قفزة نحو الأمن الجماعي جاءت اتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتلخص منشورات الأمانة العامة لمجلس التعاون الانجازات العسكرية في عدة نواحي منها المشاريع المشتركـة التي ضمت مشروع حزام التعاون الهادف إلى ربط مراكز عمليات القوات الجوية والدفاع الجوي بدول المجلس آليا ، وبدأ تشغيل المرحلة الأولى منه في نهاية شهر ديسمبر 2001م . ثم مشروع الاتصالات المؤمنـة ويهدف إلى ربط القوات المسلحة في دول المجلس بشبكة اتصالات مؤمنة ، وذلك من خلال إقامة كيبل ألياف بصرية، وقد بدأ تشغيل المشروع بتاريخ 28 يونيو 2000م ، وفي سياق آخر تم العمل بنجاح في توحيد الأسس والمفاهيـم العسكرية المعمول بها في دول المجلس لزيادة التكاتف ، وتسهيل تبادل المساندة والاستفادة المتبادلة من الإمكانيات المتوفرة في دول المجلس ، وقد شمل ذلك جانبين رئيسيين هما التمارين المشتركةوتوحيد الكراسات والمناهج العسكريـة .
ثم ازدادت وتيرة التعاون قبيل حرب تحرير العراق حين اتخذ وزراء الدفاع والخارجية في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الاجتماع الذي عقد في جدة 8 فبراير 2003 ، قرارا يقضي بنقل قوات درع الجزيرة الى الكويت، اعرابا عن التضامن، وتأكيدا على المسؤولية الأمنية والدفاعية المشتركة بين دول المجلس. على أن تبدأ قوات درع الجزيرة التي تضم نحو 23 ألف جندي من مختلف التخصصات العسكرية، بالتمركز في الكويت.
التشكيك بجدواى بقوة درع الجزيرة
تضافرت عدة ظروف داخلية وخارجية ضد استمرار درع الجزيرة وهي كالتالي:
الظروف الداخلية
بعد حرب تحرير العراق 2003م ظهرت في دول الخليج العربي عدة مؤشرات بدت وكأنها تسير في الاتجاه المعاكس للمحافظة على قوة درع الجزيرة ودعمها ، ومن تلك المؤشرات الانقلاب في الموقف العماني الذي ظهر وكأنه جاء نكاية في موقف دول المجلس من مبادرة السلطان قابوس لزيادة حجم القوة ، حيث صرح يوسف بن علوي وزير الشؤون الخارجية العماني، في 20-11-2005م، أن قوة درع الجزيرة لم يعد لها حاجة بعد زوال نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين ، ثم جاء الموقف السعودي من خلال اقتراح الملك عبدا لله في ديسمبر2005بإعادة هيكلة قوات درع الجزيرة والذي يقضي بأن تشرف كل دولة على وحداتها المخصصة لقوات درع الجزيرة التي يمكن استدعاؤها في حال الضرورة، وتتكون من قوات مشتركة في الأمانة العامة، لها قيادة وضباط ومسئولون، وتقوم بمناورات مستمرة للقوات البرية والجوية والدفاع الجوي والبحرية، هذه القوات سيعاد تنظيمها في بلدانها، وستأتي للتدريب مرة أو مرتين سنوياً، أو يتم طلبها حسب الحاجة والخطط .
دوافع هذه المؤشرات مردها ولا شك عدم المشاركة الفعالة من دول المجلس في قوة درع الجزيرة، بالإضافة إلى الاتجاه العام بضرورة الاعتماد على القوات الخارجية فيما يخص المسائل الأمنية، حيث قامت معظم دول المجلس بتوقيع اتفاقيات دفاعية مع الدول الخمس الكبرى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن،وتضمنت التواجد الأجنبي لقواتها على أراضي هذه الدول والدفاع عنها، مما قلل من أهمية قوات درع الجزيرة ، بالاضافة الى التقرب من حلف شمال الأطلسي بخطوات جادة، واتدافع للحصول على صفة الشريك المميز مع الدول الغربية .وهناك من يقول أن وجود قوة درع الجزيرة يرتبط بالتنازل عن سيادة كل دولة لصالح متطلبات الأمن الجماعي ويقلل من ثقل كل دولة على مجالها الإقليمي، وهنا نقول أن قضية السيادة كانت ولا تزال عدو منظومة مجلس التعاون ليس في المجال العسكري فحسب بل في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية وغيرها .
الظروف الخارجية
لم تنظر جمهورية إيران الإسلامية بعين الارتياح لمجلس التعاون ككل،ووصمته بنعوت عدة لعل أكثرها وضوحا قيامه بإيحاءات أمريكية، بل أن قيامه قد قوبل بالاستهجان العراقي حتى تبين لنظام البعث وقوف المجلس الى جانب العراق في حربه مع إيران،وبعد مرور الوقت تقبله الطرفين على مضض لدوره في تغيير ميزان القوة الإستراتيجية في تلك المنطقة.
على مستوى آخر أقام صدام حسين مجلس التعاون العربي7 قاصدا عدة أمور لعل منها أن يكون المجلس العربي موازنا للمجلس الخليجي ، وبعد حرب تحرير الكويت حاولت سوريا ومصر توظيف محدودية القدرات العسكرية الخليجية بمقايضة الدعم الاقتصادي الخليجي لدمشق والقاهرة، بالقوة العسكرية والزخم البشري بمشروع أمني سمي اتفاق إعلان دمشق، لكن ذلك الاتفاق قوبل بعوائق عدة لعل أبرزها من الخليجيين أنفسهم ، حيث لم يروا فيه مايغري مقارنة بما قد يجدونه مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ، ثم انهار المشروع بعد الاحتجاجات الدبلوماسية والضغوط من قبل إيران التي وجدت انه عودة للقومية العربية لمياه الخليج وهي التي حاربتها في الخليج إبان المد القومي في منتصف القرن الماضي ، لتأتي التحفظات الاميركية أكثر صراحة ضد أية دور مصري أو سوري في أمن دول الخليج العربي .
وعند الحديث عن الولايات المتحدة الأمريكية نذكر أنها لم تشجع قيام قوة درع الجزيرة كما لم تؤيد بقاءها من خلال التقليل من جدواها عبر عرض ما يمكن ان تقدمه الولايات المتحدة تحت مظلة الاتفاقيات الأمنية بينها وبين دول المجلس كل على حدة ، وهو نفس التوجه الذي بنته الدول الغربية الأخرى ، وبمعنى اخر كان الغرب ضد الامن الجماعي الخليجي8.
إنهاء حلم جابر في قمة جابر
كان أمير الكويت الراحل المغفور له الشيخ جابر الأحمد هو صاحب فكرة إنشاء مجلس التعاون الخليجي، وكان المجلس الذي أراده كيان خليجي موحد في جميع المجالات بما فيها المجال العسكري وتحقيق فكرة الأمن الجماعي . ومن سخريات الأمور أن تعقد في الرياض في 9- 10ديسمبر 2006م الدورة السابعة والعشرين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون تحت أسم "قمة الشيخ جابر" وفيها كان لابد من حسم موضوع طال الجل فيه وهو مستقبل قوة درع الجزيرة حيث اتفق المؤتمرون على اعتماد مرئيات تطوير قوة درع الجزيرة وإعادة هيكلة القوة بشكل جديد ، وما سبق هو مسميات مهذبة لما اكثر تعاسة ونقصد بذلك تفكيك قوة درع الجزيرة .
إذا استثنينا السلطان قابوس أطال الله في عمرة يكون الشيخ جابر الأحمد آخر الرجال الذين وقعوا على ميثاق قيام المجلس فهل كانوا ينتظرون وفاته لدفن حلمه بمجلس موحد في جميع النواحي ؟. إن إنشاء قوة درع الجزيرة كان حلمًا في نفوس الجيل الأول أو الجيل المؤسس للنهضة الخليجية فهل كان التمسك بقوة درع الجزيرة أمر عاطفي ارتبط بأحداث ورجال عاشوا في وجدان جيل كامل ؟
لم يكن ذلك الحلم بعيدا عن العقلانية رغم كون قوة درع الجزيرة قوة عسكرية رمزية، لم تصل بعد إلى مستوى جيش خليجي موحد، على الرغم من الآمال العريضة التي علقت عليها للوصول إلى هذا الهدف.
إن ابسط الجوانب الايجابية في بقاء قوة درع الجزيرة هو كونها النجاح الوحيد بين عدة تجارب لم يحالفها النجاح لإقامة نواة جيش عربي موحد ، لقد كانت قوة درع الجزيرة " نموذجًا يمكن الاحتذاء به من قبل تجمعات إقليمية أخرى. وكانت هما استراتيجيا لم تتقبله إيران أو العراق أو الولايات المتحدة أو الدول الغربية وكان ذلك صك نجاحه.
نتمنى أن يحالف مشروع تطوير وإعادة هيكلة قوة درع الجزيرة التوفيق .
المصادر والمراجع
[1] JE PETERSON, DEFENDING ARABIA, NEWYORKو 1986,P197
[2] .مقابلة شخصية مع عبد الله بشارة ، الأمين العم السابق لمجلس التعاون ، 29سبتمبر 2003م.
[3]GulfSecurityReport at : http://www.gulfsecurityreport.com/gsr/GSR020518.htm#
_PENINSULA_SHIELD_FLAWS
انظر تقرير مؤسسة ايرك موريس للاستشارات Eric Morris التي قامت بشرح عيوب قوة درع الجزيرة في التسعينياتhttp://www.ericmorrisconsultancy.com/
[4] اللواء حي جمعة الهاملي ،التعاون العسكري في دول مجلس التعاون ،ندوة مستقبل مجلس التعاون ،مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبو ظبي،1999م،ص50.
[5]. مقابلة شخصية مع اللواء الركن فالح عبد الله الشطي ، أول أمين مساعد للشؤون العسكرية لمجلس التعاون، في 20سبتمبر 2003م.
[6] .مالك المعيلي،مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أطروحة عسكرية لكلية مبارك للقيادة والأركان،الكويت 1998م،ص10.
[7] . حلف أسسه صدام في بغداد العام 1989 بعد انتهاء حربه مع إيران بموازاة مجلس التعاون الخليجي. وتكون من العراق كومصر والاردن واليمن ولم يدم هذا المجلس سوى أشهر معدودة بسبب الغزو العراقي للكويت .
[8] . أنظر : سامح راشد "التعاون العسكري الخليجي.. أمريكي المضمون"
انظر تقرير مؤسسة ايرك موريس للاستشارات Eric Morris التي قامت بشرح عيوب قوة درع الجزيرة في التسعينياتhttp://www.ericmorrisconsultancy.com/
[4] اللواء حي جمعة الهاملي ،التعاون العسكري في دول مجلس التعاون ،ندوة مستقبل مجلس التعاون ،مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبو ظبي،1999م،ص50.
[5]. مقابلة شخصية مع اللواء الركن فالح عبد الله الشطي ، أول أمين مساعد للشؤون العسكرية لمجلس التعاون، في 20سبتمبر 2003م.
[6] .مالك المعيلي،مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أطروحة عسكرية لكلية مبارك للقيادة والأركان،الكويت 1998م،ص10.
[7] . حلف أسسه صدام في بغداد العام 1989 بعد انتهاء حربه مع إيران بموازاة مجلس التعاون الخليجي. وتكون من العراق كومصر والاردن واليمن ولم يدم هذا المجلس سوى أشهر معدودة بسبب الغزو العراقي للكويت .
[8] . أنظر : سامح راشد "التعاون العسكري الخليجي.. أمريكي المضمون"
هناك 3 تعليقات:
من الطبيعي أن يفشل هذا التجمع العسكري، لأنه انطلق من مفهوم أمني وليس سياسي، وهو حماية الأنظمة الخخليجية مما يتهددها في الداخل، وبشكل خاص من الخارج، العراق أساساً. ولكن بعد حرب لخليج الثانية، أصبحت الدول الخليجية تعتمد على اللاويات الماحدة عسكرياً، مما قلص الحاجة إلى التعاون العسكري، طالما أن العسكر الأميركيون في كل ناحية من الخليج.
أعتقد أن أمن الخليج الاستراتيجي والسياسي يؤمنه أبناؤه وليس الخارج. وعلى الدول الخليجية ألا تحشى حجمها الديموغرافي والتوصل إلى قناعة أنها لا تستطيع مجابهة جيرانها الأقوياء، وخاصة إيران النووية. فإسرائيل اصدق مثال على ذلك.
وإلى جانب عدم وجود
إرادة خليجية جماعية لتطوير أمن سياسي جماعي، في ظل الاعتماد على الأميركي، فلن تتمكن دول المجلس من تحقيق أمن عسكري. على دول الجلس التوقف عن التجاذبات في ما بينها، وبشكل خاص قطر والسعودية، وتطوير المجلس سياسياً، وليس مواقف أمنية تجاه قضايا الإرهاب على سبيل المثال.
لم يتوصل الأوروبيون إ الاتحاد بجرة قلم، وإنما من خلال مساع على مدى نصف قرن تقريباً، وبداؤا اقتصادياً وانتهوا سياسياً. وأثناء ذلك طوروا ديمقراطيتهم رغم حروبهم الدموية ضد بعضهم البعض.
لن يستطيع أحد أن يحمي الخليج إلا شعوبه العربية. وتكريس ديمقراطية حقيقية، ما يجعل الشعوب تدافع عن أنظمتها بأنفسها، بحيث تصبح الدولة دولتها، وليس عن دولة عائلة أو خلافه. وهذا ما يجعل الإرهاب يقوى في المنطقة. .
إن التحدي الإيراني كبير جداً، والمرحلة صعبة، وتتطلب تضافر سياسي قبل العسكري، وأن ترتبط شعوب الخليج العربية مع بعضها في مشروع حقيقي للاتحاد، ولا سبيل إلى ذلك إلا باعماد الديمقراطية، ليشعر القطري أن قطره هو السعودية، والكويتي أن شريكه في الوطن هو الإمارتي الخ...
أتفق معك أن أمن الخليج الاستراتيجي والسياسي يؤمنه أبناؤه وليس الخارج ، ولكن لا اتفق معك في ان المجلس أنطلق من مفهوم أمني . بل العكس ان المفهوم الأمني هو المهمش وكافة الإنجازات تمت من خلال الجهد السياسي الذي كان له الفضل في ايقاف الحرب العراقية الايرانية التي تجاهلها الغرب عن عمد لولا جر دول الخليج القوى الاوروبية للمشاركة في جهد إيقافها عندما رفعت الكويت أعلام الدول الغربية على سفنها .
الجانب الطاغي الاخر هو الجانب الاقتصادي وفي هذا المضمار يقال لو ان المجس كان اقتصاديا فقط لكفاه ذلك .
أما أن المجلس قام لحماية الانظمة فذلك شي فيه الكثير من المبالغة ، فكيف تحمي قوات درع الجزيرة عمان والقوة في حفر الباطن أي تبعد بحوالي 2000 كم .
حماية الانظمة تمت من خلال تحويل دول الخليج لكونها دول ريعية إلى دول رفاه تحمي مواطنها بالرفاهية ورغد العيش الذي يلازمه من المهد إلى اللحد ، هذا هو ما حمى الأنظمة في رأي المتواضع .
أود أن اشلرك في النقاش برؤية مختصرة بحكم مشاركتي في المجهود العسكري لدول مجلس التعاون لعدة سنوات في الفترة من 1982-1989 وحتى نكون صريحين يجب أن نعترف بأن درع الجزيرة اختفى في الثاني من اغسطس ولم يستطيع أن يرجع الى الرؤية التي كانت لدىالامير الراحل جابر الاحمد رغم ضخ الكثير من الافكار بعد تحرير الكويت . لللقد ساهمت مشكلةالطاقة البشرية في الانهيار التدريجي لتلك القوة كما كانت قضية المقر والمشاركة في التكاليف واخيرا القيادة العسكرية وعدم قبول فكرة السلطان قابوس في اخذ 100 الف عسكري عماني في تهاية تلك الفكرة الجميلة . واود أن اوضح باننا في البداية لم يكن نظام القيادة والسيطرة المعروف بأسم سي 4جزء من تلك القوةوحتى التمارين الجوية المشتركة كانت مخصصة بالكامل للدفاع الجوي والقتال الجوي
ابوهشام
إرسال تعليق