الأمن الجماعي collective Security
وهو قيام نظام جماعي بين دول معينة بمقاومة عدوان دولة ما على إحدى الدول من منتسبي النظام.وقد جاء هذا النظام الأمني بناء على جهود كارل دوتش الذي وجد أن الأمن مفهوم متطور غير جامد يعني أشياء مختلفة في أوقات مختلفة وأماكن مختلفة.وبذلك فهو مفهوم متجدد يواكب تطورات الأوضاع المحلية والإقليمية.وقد قال دوتش بجدوى التنظيمات الدولية الجماعية، مثل الأمم المتحدة وحلف الناتو، للحيلولة دون نشوب الحروب.
الخليج العربي و مفهوم الأمن الجماعي
اظهر لنا تتبع مفهوم الأمن الجماعي،عدم تخلى منطقة الخليج العربي عن هذا المبدأ منذ ارتباطها بالنظام الأمني الجماعي الإسلامي مع الدولة المملوكية،ثم الدولة العثمانية عند مقاومة البرتغاليين،أو عند تكاتف الموحدين والقواسم [1]ضد البريطانيين في القرن التاسع عشر،أو كجزء من الأمن العربي المشترك بعد قيام جامعة الدول العربية ، والأمن الجماعي شكل من أشكال التعاون الدولي قد يؤدي إلى الاندماج أو التكامل[2] ،وهذا ما شجع أهل الخليج§ قبل حوالي العقدين إلى إنشاء مجلس التعاون الذي،تبنى تحقيق الأمن الجماعي عن طريق استراتيجية أمنية لها جانبان،داخلي من خلال الاتفاقية الأمنية،وخارجي عن طريق تنسيق السياسات الدفاعية،ودعم القدرات العسكرية المشتركة وإجراءات التدريبات المشتركة في نطاق برامج ذراع المجلس العسكري (قوات درع الجزيرة) .
وهناك من يرى[3] شيوع تفسير ضيق للآمن يتعلق أولا و أخيرا بالقوة العسكرية التي تعني أن توافرها يؤمن القدرة على صد العدوان أو القدرة على مد النفوذ،ويزيد بالتالي من مساحة الشعور بالأمن.حيث يغفل هذا التفسير أمورا أخرى تدخل في صلب مفهوم الأمن،الذي يتسع ليشمل الأمن الاقتصادي،الآمن الغذائي،الأمن الاجتماعي والأمن الثقافي. فكلها أطر مهمة للاستقرار والشعور بانعدام الخوف ومن ثم فأن القدرة العسكرية هي واحدة من آليات تحقيق الأمن،بل إن * روبرت مكنمارا يذهب إلى أن الدول لا يمكن أن تحقق أمنها إلا إذا ضمنت حدا أدنى من الاستقرار الداخلي، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا بتوافر حد أدنى للتنمية، فعند وضع الموزانة لا ينبغي التركيز على شؤون الدفاع فحسب[4] .
المفهوم البريطاني لأمن الخليج العربي
لابد أن نشير إلى اختلاف المفاهيم والرؤى السياسية حول مضمون أمن الخليج باختلاف الأطراف المؤثرة فيه قديما وحديثا ،والتي تتفق على أنه ينطلق مما يحقق مصالحها،ولاختلاف هذه المصالح يختلف المفهوم، ومن ثم فهو متحرك متأثر باللاعبين والزمان ، الذي نظر إليه اللورد كورزون 1896-1905 على انه لوح شطرنج على اللاعب فيه أن يجابه كل حركة جديدة من خصومه بحركة مماثلة [5] ،وتفوق القوة النارية الغربية،ادت إلى خضوع المنطقة لهم .
في أوج مجدها لم يكن هناك ميناء مفتوح على المحيط الهندي،إلا وكان في يد بريطانيا،ولايصب في ذلك المحيط خليج إلا وهي المتحكمة في ذلك المصب[6] ،و استمرار هذه الحالة لأطول مدة ممكنة، كان جوهر الأمن في المفهوم البريطاني خلال فترة استعمار بريطانيا الطويل للخليج، وإن كان التطبيق متغيرا من فترة زمنية إلى أخرى لكنه لم يخرج كما تتفق معظم الآراء عن كونه أمن ممر مائي لتجارتها إلى الهند في اغلب الفترات، وقد عملت بريطانيا على إبعاد الدول الأخرى عن الخليج، حيث حطمت بريطانيا القواسم بحجة القرصنة،وتجارة عمان بحجة محاربة تجارة الرقيق والسلاح[7]،ثم لوقف اتصالات عمان الجريئة مع فرنسا ، وحتى مع الولايات المتحدة، .
المفهوم الأمريكي و المفهوم السوفيتي لأمن الخليج العربي
بعد الحربين العالميتين الأولي والثانية وتدفق النفط تغير التهديد، وتزعزع أمن الخليج نظرا للتنافس البترولي المحموم بين الشركات النفطية ذات الجنسيات المختلفة حينا والشركات ذات الجنسية الواحدة أحيانا كثيرة. ثم أخذت بريطانيا في التخلي عن الدور الذي أراد الأمريكان أن تلعبه، وهو لا يعدو أن يكون دور شركة الحراسة في وقتنا الحاضر،حيث كان على العسكريين البريطانيين في عدن والبحرين،المحافظة على سلامة عمليات شركات النفط الأمريكية في الغالب.
ثم جاء منافس ذو درجة عالية من الخطورة الأيديولوجية والاقتصادية ,والسياسية والعسكرية وهو الاتحاد السوفيتي،الذي كان يدرك ما يمثله الخليج للولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الغربي فكان كما نعتقد حذرا للغاية في سياسته تجاه الخليج وأعلن أن أمن الخليج هومسؤولية دوله ولن يكون هناك فراغ كما تزعم الولايات المتحدة الأمريكية[8]،التي كانت ترى أن أمن الخليج هو أمن منابع النفط وخطوط الإمداد إليه وهو مفهوم كما نري متغير أيضا بتغير التهديدات التي كانت تراها الولايات المتحدة الأمريكية فهي مرة تتمثل في الاتحاد السوفيتي ومرة في القومية العربية وبعد ذلك التهديدات الإيرانية في عهد الجمهورية الإسلامية ثم التهديدات العراقية وهكذا[9].
مفهوم دول الخليج العربي لأمن الخليج
أما دول الخليج العربي فكانت ترى الأمن بنظرة إلى الداخل أكثر منها إلى الخارج ، وذلك للوجود البريطاني في المنطقة في ذلك الوقت.وبعد خروج البريطانيين شعر أهل الخليج أن السفينة تتقاذفها الأمواج. كان خروج البريطانيين من الجنوب العربي كما سنفصله لاحقا مثل الصدمة التي هزت الإمارات الصغيرة،خاصة بعد ابتلاع جمهورية اليمن الجنوبي لاستقلال الدولة الكثيرية، والدولة القعيطية، التي تشابه إلى حد التطابق إمارات الخليج العربي. وكانت دلالاتها السياسية ناقوس خطر يدق بعنف في اروقة الحكم الخليجية .وكان الحل بالنسبة لدول الخليج الناشئة هو في الاتحاد الطوعي فيما بينها بدلا من الاخذ بنموذج الوحدة اليمنية القسرية .فكان قيام دولة الامارت العربية المتحدة بين سبع إمارات كدولة موحدة هو الحل الاول لتلافي الوقوع في مصير إمارات الجنوب العربي،ثم جاء الحل الثاني ولو بشكل اقل تماسكا وهو قيام مجلس التعاون كمنظمة أمن جماعي لدوله. وصارت دول الخليج العربي ترى أن أمن الخليج هو أمنها كدول،بالإضافة إلى حماية وتأمين الممرات المائية التي تعتبر الشريان الحيوي لنقل البترول،ولما لهذه الممرات المائية الدولية من أهمية اقتصادية . فإن ضمان أمنها وحمايتها يكون بالاشتراك مع الجماعة الدولية ودول الخليج ،وتتبنى دول مجلس التعاون مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى وحل الخلافات بالطرق السلمية ومبدأ التعايش السلمي والأمن الجماعي لدول مجلس التعاون و إبعاد المنطقة عن النفوذ الأجنبي وتبني سياسة الحياد .
المفهوم الإيراني لأمن الخليج
وفق المفهوم الإيراني لأمن الخليج فإن التدخل الخارجي أو الوجود الغربي في المنطقة يمثل التهديد الرئيسي لأمن الخليج .وقد فرض شاه إيران نفسه كبديل عن الوجود الاجنبي ثم سقط. وجاءت الجمهورية الإسلامية التي ترى أن أمن المنطقة يجب أن يكون من مسؤولية دولهاهذا فضلا عن ضرورة تشجيع التقارب الاقتصادي بين دول المنطقة بالطريقة المشابهة لنموذج الاتحاد الأوربي. وكنتيجة لهذا المفهوم فإن إيران ترفض الاتفاقيات والترتيبات الأمنية كافة التي تعقد مع دول خارج المنطقة بما فيها العربية. حيث جاهدت إيران منذ مطلع القرن العشرين على إبعاد معيار العروبة من استراتيجيات الأمن الخليجي.كما أن المفهوم الإيراني لأمن المنطقة يربط أمن الخليج مع أمن دول وسط آسيا حيث تعتبر إيران نفسها الموازن والرابط بين طرفي الأمن بين الخليج العربي ودول وسط آسيا[10] .
وليس الأمن في جانبه العسكري فقط مفتاح علاقات المنطقة بالعالم المحيط بها، بل إن الاقتصاد والثقافة ثغرات أمنية، يتوجب إقامة الثغور على كل منها لتربص العدو بنا من خلالها، حيث بات معروفا أن معايير تعامل الغرب مع دول المنطقة من الواجهة الجيو سياسية تقوم باعتبارها ضرورة ممكنة توجب جذبها جذبا كاملا إلى علاقات التبعية للغرب ،وكما يرى البعض[11] فإن الغرب يستهدف تفتيت الثقافة العربية لما فيها من قيم وعناصر قد تقود في نهايتها إلى القوة التي تطيح بمخططات الهيمنة الخارجية .
الهوامش
[1] . القواسم قبيلة عربية قطنت الشارقة ورأس الخيمة.و بعد انهيار دولة اليعاربة في عمان 1624 - 1741 بدأ يسطع نجمهم كقوة بحرية عربية جديدة لتملأ الفراغ السياسي الناجم عن ذلك الانهيار، فكان الاسطول القاسمي هو القوة البحرية الرئيسية في مياه الخليج في منتصف القرن الثامن عشر وامتدت علاقات القواسم الى دول ومناطق عديدة في الهند والساحل الشرقي لإفريقيا.تركزت قوة القواسم في الساحل الجنوبي للخليج العربي وكانت ابرز مدنهم رأس الخيمة والشارقة. إلا انه ومع منتصف القرن الثامن عشر 1750م هاجر فريق من القواسم الى الساحل الشمالي من الخليج حيث استقروا في منطقة لنجة. وبدأ الفرع الجديد من القواسم في ممارسة استقلاليته في تلك المنطقة ومد نفوذه الى الجزر والساحل المحاذي للخليج. وحدث في تلك الاثناء تقسيم عرفي عام 1835 بين القواسم وهم الحكام الحاليون في الشارقة ورأس الخيمة لملكية جزر الخليج بحيث اصبحت جزيرتا صري وهنغام تابعتين لقواسم لنجه، وجزر ابو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى وصير ونعير تابعة لقواسم ساحل عمان، أي رأس الخيمة والشارقة . تحالف القواسم مع الوهابيين الامر الذي ازعج بريطانيا والعثمانيين . فالوهابية كانت القوة البرية الصاعدة والقواسم كانوا القوة البحرية التي لا تعبأ بالهجوم على السفن البريطانية فوجهوا حملاتهم ضدهم في العام 1805 و 1809 و وجه الوالي العثماني محمد علي باشا حملته ضد الوهابيين عام 1819 فاستغلت بريطانيا الفرصة وقامت بمهاجمة القواسم في رأس الخيمة في العام نفسه . وقد استطاع البريطانيون تدمير اسطول القواسم وكان من نتائج هذه الحملة التوقيع على عدة معاهدات اخضعتهم .
[2] كمال ألا سطل ، نحو صياغة نظرية لأمن دول مجلس التعاون،مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية،أبوظبي ،1999م،ص44-46.
§ .سوف نستخدم مصطلح أهل الخليج اختصارا لإمارت ودول الخليج العربي، دون ايران والعراق وهي التي شكلت فيما بعد مجلس التعاون الخليجي.
[3]. معصومة المبارك. أمن الخليج بين الواقع والتوقعات ،ندوة نحو أفاق جديدة للعلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران ، مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية مايو1999 ،ص93.
* روبرت ماكنمارا Robert S. McNamara ولد في 1916 م ، عمل طيارا في الحرب العامية الثانية ،ثم رئيسا لشركة فورد للسيارات حتى 1960م ،وكان أحد رموز الحرب الباردة ووزير دفاع الولايات المتحدة في عهد كنيدي وجونسون1961-1968م.، ثم رئيسا للبنك الدولي World Bank ،وكان مسؤولا بدرجة كبيرة عن حرب فيتنام،له مؤلفات عدة منها:
The Essence of Security; One Hundred Countries, Two Billion People; Out of the Cold; and The Tragedy and Lessons of Vietnam
[4] معصومة ،نفس المرجع ،ص94.
[5]. George Nathaniel ,The life of Lord Curzon ,London vol.2 ,p310 .
[6] Leatherdale, Clive, Britain and Saudi Arabia 1925-1939,Frank Cass, London,1983.p10.
[7] . عبد الرؤوف سنو، اتفاقيات بريطانيا ومعاهداتها مع إمارات الخليج العربية1798-1916م،بيروت،1998 ، ص46.
[8] . معصومة ،مرجع سابق،ص99.
[9] .نفس المرجع،ص97.
[10]. عبد الكريم الغربللي، ، الثقة بين ساحلي الخليج العربي أساس الأمن فيه ،مجلة سجل الأحداث الجارية، مركز دراسات الخليج و الجزيرة العربية،ص15 .
[11] . رياض قاسم ،مرجع سابق،ص209.
وهو قيام نظام جماعي بين دول معينة بمقاومة عدوان دولة ما على إحدى الدول من منتسبي النظام.وقد جاء هذا النظام الأمني بناء على جهود كارل دوتش الذي وجد أن الأمن مفهوم متطور غير جامد يعني أشياء مختلفة في أوقات مختلفة وأماكن مختلفة.وبذلك فهو مفهوم متجدد يواكب تطورات الأوضاع المحلية والإقليمية.وقد قال دوتش بجدوى التنظيمات الدولية الجماعية، مثل الأمم المتحدة وحلف الناتو، للحيلولة دون نشوب الحروب.
الخليج العربي و مفهوم الأمن الجماعي
اظهر لنا تتبع مفهوم الأمن الجماعي،عدم تخلى منطقة الخليج العربي عن هذا المبدأ منذ ارتباطها بالنظام الأمني الجماعي الإسلامي مع الدولة المملوكية،ثم الدولة العثمانية عند مقاومة البرتغاليين،أو عند تكاتف الموحدين والقواسم [1]ضد البريطانيين في القرن التاسع عشر،أو كجزء من الأمن العربي المشترك بعد قيام جامعة الدول العربية ، والأمن الجماعي شكل من أشكال التعاون الدولي قد يؤدي إلى الاندماج أو التكامل[2] ،وهذا ما شجع أهل الخليج§ قبل حوالي العقدين إلى إنشاء مجلس التعاون الذي،تبنى تحقيق الأمن الجماعي عن طريق استراتيجية أمنية لها جانبان،داخلي من خلال الاتفاقية الأمنية،وخارجي عن طريق تنسيق السياسات الدفاعية،ودعم القدرات العسكرية المشتركة وإجراءات التدريبات المشتركة في نطاق برامج ذراع المجلس العسكري (قوات درع الجزيرة) .
وهناك من يرى[3] شيوع تفسير ضيق للآمن يتعلق أولا و أخيرا بالقوة العسكرية التي تعني أن توافرها يؤمن القدرة على صد العدوان أو القدرة على مد النفوذ،ويزيد بالتالي من مساحة الشعور بالأمن.حيث يغفل هذا التفسير أمورا أخرى تدخل في صلب مفهوم الأمن،الذي يتسع ليشمل الأمن الاقتصادي،الآمن الغذائي،الأمن الاجتماعي والأمن الثقافي. فكلها أطر مهمة للاستقرار والشعور بانعدام الخوف ومن ثم فأن القدرة العسكرية هي واحدة من آليات تحقيق الأمن،بل إن * روبرت مكنمارا يذهب إلى أن الدول لا يمكن أن تحقق أمنها إلا إذا ضمنت حدا أدنى من الاستقرار الداخلي، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا بتوافر حد أدنى للتنمية، فعند وضع الموزانة لا ينبغي التركيز على شؤون الدفاع فحسب[4] .
المفهوم البريطاني لأمن الخليج العربي
لابد أن نشير إلى اختلاف المفاهيم والرؤى السياسية حول مضمون أمن الخليج باختلاف الأطراف المؤثرة فيه قديما وحديثا ،والتي تتفق على أنه ينطلق مما يحقق مصالحها،ولاختلاف هذه المصالح يختلف المفهوم، ومن ثم فهو متحرك متأثر باللاعبين والزمان ، الذي نظر إليه اللورد كورزون 1896-1905 على انه لوح شطرنج على اللاعب فيه أن يجابه كل حركة جديدة من خصومه بحركة مماثلة [5] ،وتفوق القوة النارية الغربية،ادت إلى خضوع المنطقة لهم .
في أوج مجدها لم يكن هناك ميناء مفتوح على المحيط الهندي،إلا وكان في يد بريطانيا،ولايصب في ذلك المحيط خليج إلا وهي المتحكمة في ذلك المصب[6] ،و استمرار هذه الحالة لأطول مدة ممكنة، كان جوهر الأمن في المفهوم البريطاني خلال فترة استعمار بريطانيا الطويل للخليج، وإن كان التطبيق متغيرا من فترة زمنية إلى أخرى لكنه لم يخرج كما تتفق معظم الآراء عن كونه أمن ممر مائي لتجارتها إلى الهند في اغلب الفترات، وقد عملت بريطانيا على إبعاد الدول الأخرى عن الخليج، حيث حطمت بريطانيا القواسم بحجة القرصنة،وتجارة عمان بحجة محاربة تجارة الرقيق والسلاح[7]،ثم لوقف اتصالات عمان الجريئة مع فرنسا ، وحتى مع الولايات المتحدة، .
المفهوم الأمريكي و المفهوم السوفيتي لأمن الخليج العربي
بعد الحربين العالميتين الأولي والثانية وتدفق النفط تغير التهديد، وتزعزع أمن الخليج نظرا للتنافس البترولي المحموم بين الشركات النفطية ذات الجنسيات المختلفة حينا والشركات ذات الجنسية الواحدة أحيانا كثيرة. ثم أخذت بريطانيا في التخلي عن الدور الذي أراد الأمريكان أن تلعبه، وهو لا يعدو أن يكون دور شركة الحراسة في وقتنا الحاضر،حيث كان على العسكريين البريطانيين في عدن والبحرين،المحافظة على سلامة عمليات شركات النفط الأمريكية في الغالب.
ثم جاء منافس ذو درجة عالية من الخطورة الأيديولوجية والاقتصادية ,والسياسية والعسكرية وهو الاتحاد السوفيتي،الذي كان يدرك ما يمثله الخليج للولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الغربي فكان كما نعتقد حذرا للغاية في سياسته تجاه الخليج وأعلن أن أمن الخليج هومسؤولية دوله ولن يكون هناك فراغ كما تزعم الولايات المتحدة الأمريكية[8]،التي كانت ترى أن أمن الخليج هو أمن منابع النفط وخطوط الإمداد إليه وهو مفهوم كما نري متغير أيضا بتغير التهديدات التي كانت تراها الولايات المتحدة الأمريكية فهي مرة تتمثل في الاتحاد السوفيتي ومرة في القومية العربية وبعد ذلك التهديدات الإيرانية في عهد الجمهورية الإسلامية ثم التهديدات العراقية وهكذا[9].
مفهوم دول الخليج العربي لأمن الخليج
أما دول الخليج العربي فكانت ترى الأمن بنظرة إلى الداخل أكثر منها إلى الخارج ، وذلك للوجود البريطاني في المنطقة في ذلك الوقت.وبعد خروج البريطانيين شعر أهل الخليج أن السفينة تتقاذفها الأمواج. كان خروج البريطانيين من الجنوب العربي كما سنفصله لاحقا مثل الصدمة التي هزت الإمارات الصغيرة،خاصة بعد ابتلاع جمهورية اليمن الجنوبي لاستقلال الدولة الكثيرية، والدولة القعيطية، التي تشابه إلى حد التطابق إمارات الخليج العربي. وكانت دلالاتها السياسية ناقوس خطر يدق بعنف في اروقة الحكم الخليجية .وكان الحل بالنسبة لدول الخليج الناشئة هو في الاتحاد الطوعي فيما بينها بدلا من الاخذ بنموذج الوحدة اليمنية القسرية .فكان قيام دولة الامارت العربية المتحدة بين سبع إمارات كدولة موحدة هو الحل الاول لتلافي الوقوع في مصير إمارات الجنوب العربي،ثم جاء الحل الثاني ولو بشكل اقل تماسكا وهو قيام مجلس التعاون كمنظمة أمن جماعي لدوله. وصارت دول الخليج العربي ترى أن أمن الخليج هو أمنها كدول،بالإضافة إلى حماية وتأمين الممرات المائية التي تعتبر الشريان الحيوي لنقل البترول،ولما لهذه الممرات المائية الدولية من أهمية اقتصادية . فإن ضمان أمنها وحمايتها يكون بالاشتراك مع الجماعة الدولية ودول الخليج ،وتتبنى دول مجلس التعاون مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى وحل الخلافات بالطرق السلمية ومبدأ التعايش السلمي والأمن الجماعي لدول مجلس التعاون و إبعاد المنطقة عن النفوذ الأجنبي وتبني سياسة الحياد .
المفهوم الإيراني لأمن الخليج
وفق المفهوم الإيراني لأمن الخليج فإن التدخل الخارجي أو الوجود الغربي في المنطقة يمثل التهديد الرئيسي لأمن الخليج .وقد فرض شاه إيران نفسه كبديل عن الوجود الاجنبي ثم سقط. وجاءت الجمهورية الإسلامية التي ترى أن أمن المنطقة يجب أن يكون من مسؤولية دولهاهذا فضلا عن ضرورة تشجيع التقارب الاقتصادي بين دول المنطقة بالطريقة المشابهة لنموذج الاتحاد الأوربي. وكنتيجة لهذا المفهوم فإن إيران ترفض الاتفاقيات والترتيبات الأمنية كافة التي تعقد مع دول خارج المنطقة بما فيها العربية. حيث جاهدت إيران منذ مطلع القرن العشرين على إبعاد معيار العروبة من استراتيجيات الأمن الخليجي.كما أن المفهوم الإيراني لأمن المنطقة يربط أمن الخليج مع أمن دول وسط آسيا حيث تعتبر إيران نفسها الموازن والرابط بين طرفي الأمن بين الخليج العربي ودول وسط آسيا[10] .
وليس الأمن في جانبه العسكري فقط مفتاح علاقات المنطقة بالعالم المحيط بها، بل إن الاقتصاد والثقافة ثغرات أمنية، يتوجب إقامة الثغور على كل منها لتربص العدو بنا من خلالها، حيث بات معروفا أن معايير تعامل الغرب مع دول المنطقة من الواجهة الجيو سياسية تقوم باعتبارها ضرورة ممكنة توجب جذبها جذبا كاملا إلى علاقات التبعية للغرب ،وكما يرى البعض[11] فإن الغرب يستهدف تفتيت الثقافة العربية لما فيها من قيم وعناصر قد تقود في نهايتها إلى القوة التي تطيح بمخططات الهيمنة الخارجية .
الهوامش
[1] . القواسم قبيلة عربية قطنت الشارقة ورأس الخيمة.و بعد انهيار دولة اليعاربة في عمان 1624 - 1741 بدأ يسطع نجمهم كقوة بحرية عربية جديدة لتملأ الفراغ السياسي الناجم عن ذلك الانهيار، فكان الاسطول القاسمي هو القوة البحرية الرئيسية في مياه الخليج في منتصف القرن الثامن عشر وامتدت علاقات القواسم الى دول ومناطق عديدة في الهند والساحل الشرقي لإفريقيا.تركزت قوة القواسم في الساحل الجنوبي للخليج العربي وكانت ابرز مدنهم رأس الخيمة والشارقة. إلا انه ومع منتصف القرن الثامن عشر 1750م هاجر فريق من القواسم الى الساحل الشمالي من الخليج حيث استقروا في منطقة لنجة. وبدأ الفرع الجديد من القواسم في ممارسة استقلاليته في تلك المنطقة ومد نفوذه الى الجزر والساحل المحاذي للخليج. وحدث في تلك الاثناء تقسيم عرفي عام 1835 بين القواسم وهم الحكام الحاليون في الشارقة ورأس الخيمة لملكية جزر الخليج بحيث اصبحت جزيرتا صري وهنغام تابعتين لقواسم لنجه، وجزر ابو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى وصير ونعير تابعة لقواسم ساحل عمان، أي رأس الخيمة والشارقة . تحالف القواسم مع الوهابيين الامر الذي ازعج بريطانيا والعثمانيين . فالوهابية كانت القوة البرية الصاعدة والقواسم كانوا القوة البحرية التي لا تعبأ بالهجوم على السفن البريطانية فوجهوا حملاتهم ضدهم في العام 1805 و 1809 و وجه الوالي العثماني محمد علي باشا حملته ضد الوهابيين عام 1819 فاستغلت بريطانيا الفرصة وقامت بمهاجمة القواسم في رأس الخيمة في العام نفسه . وقد استطاع البريطانيون تدمير اسطول القواسم وكان من نتائج هذه الحملة التوقيع على عدة معاهدات اخضعتهم .
[2] كمال ألا سطل ، نحو صياغة نظرية لأمن دول مجلس التعاون،مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية،أبوظبي ،1999م،ص44-46.
§ .سوف نستخدم مصطلح أهل الخليج اختصارا لإمارت ودول الخليج العربي، دون ايران والعراق وهي التي شكلت فيما بعد مجلس التعاون الخليجي.
[3]. معصومة المبارك. أمن الخليج بين الواقع والتوقعات ،ندوة نحو أفاق جديدة للعلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران ، مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية مايو1999 ،ص93.
* روبرت ماكنمارا Robert S. McNamara ولد في 1916 م ، عمل طيارا في الحرب العامية الثانية ،ثم رئيسا لشركة فورد للسيارات حتى 1960م ،وكان أحد رموز الحرب الباردة ووزير دفاع الولايات المتحدة في عهد كنيدي وجونسون1961-1968م.، ثم رئيسا للبنك الدولي World Bank ،وكان مسؤولا بدرجة كبيرة عن حرب فيتنام،له مؤلفات عدة منها:
The Essence of Security; One Hundred Countries, Two Billion People; Out of the Cold; and The Tragedy and Lessons of Vietnam
[4] معصومة ،نفس المرجع ،ص94.
[5]. George Nathaniel ,The life of Lord Curzon ,London vol.2 ,p310 .
[6] Leatherdale, Clive, Britain and Saudi Arabia 1925-1939,Frank Cass, London,1983.p10.
[7] . عبد الرؤوف سنو، اتفاقيات بريطانيا ومعاهداتها مع إمارات الخليج العربية1798-1916م،بيروت،1998 ، ص46.
[8] . معصومة ،مرجع سابق،ص99.
[9] .نفس المرجع،ص97.
[10]. عبد الكريم الغربللي، ، الثقة بين ساحلي الخليج العربي أساس الأمن فيه ،مجلة سجل الأحداث الجارية، مركز دراسات الخليج و الجزيرة العربية،ص15 .
[11] . رياض قاسم ،مرجع سابق،ص209.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق