عن حلب لم تعد روسيا تتكلم بحق «الفيتو» في الأمم المتحدة، بل وبقوافي القذائف وسجعها، فقد أسفرت حملة روسيا المستمرة على المدينة - الجثة عن قتل مئات المدنيين، رغم الدعوات للتحقيق في ارتكابها جرائم حرب. فما الذي تريده موسكو من الشرق الأوسط مروراً بسوريا وما الذي تريده من حلب؟ عادت روسيا للشرق الأوسط بعد ظهور «داعش» و«الحشد الشعبي» ومن لف لفهم من الهياكل العسكرية الهجينة التي ستزول مخلفة فراغاً استراتيجياً، فموسكو في حالة دفاع أمام توسع «الناتو»، ولأن الاستراتيجيات الدفاعية تمقت الفراغ Defence Strategies Abhor Vacuum، تسعى روسيا لاستعادة دورها بالنظام الدولي بالقفز في ذلك الفراغ. ولأن الشرق الأوسط ميدان رماية مثالي، وبيئة صانعة للفرص العسكرية، وجدته موسكو المخرج المثالي، فسياساتها الخارجية أصبحت على أسس براغماتية، على عكس الحقبة السوفيتية التي كانت تحكمها الأيديولوجيا. كما أن موسكو تمر بأزمات اقتصادية، وعدم استقرار سياسي، يضاف إلى ذلك أن الأوبامية حولت أمريكا في الشرق الأوسط لدور الوسيط الحصري، وتركت لروسيا دور اللاعب الحصري. ولأن «الناتو» ساهم في التسعينيات في تآكل الجغرافيا العسكرية الروسية في الشرق الأوسط، لذا لن تفرط روسيا في خسارة آخر معاقلها في سوريا، فهي خطّ المواجهة ضدّ الخطر المحتمل للدرع الصاروخي الغربي الذي سيحيط بها كالثعبان من بولندا ورومانيا وتشيكيا، فالدخول العسكري الروسي في سوريا انهى العزلة الدبلوماسية التي كانت فيها. كما أن موسكو على إدراك تام بما تكيد به واشنطن لها عبر المبدأ البراغماتي الكلاسيكي الأمريكي «دع أعداء أمريكا يتقاتلون». وقد نجحت بشكل ما في إبطال مفعوله. أما أهمية حلب لموسكو فتعود إلى أهميتها لنظام الأسد نفسه، فحلب هي الأهم اقتصادياً وبها ربع سكان سوريا، وسيضمها النظام لـ «الدولة المفيدة». كما أن احتلالها من قبل النظام بالجهد العسكري الروسي يعني تسليمها بشكل ما قيادة عسكرية روسية، مما يعني تشكل جيرة عسكرية روسية تركية أو بالأصح إحاطة روسية بتركيا، يتبعها قطع لخط الإمداد من تركيا لفصائل المعارضة بسوريا، فكسر دفاعات حلب هو كسر ظهر الثورة السورية، وما وحشية «السوخوي» إلا امتداد للعقيدة العسكرية الروسية في القتال، كما حصل في القرم وغروزني بقصف همجي للبيوت ومرافق الحياة لتهجير السكان. * بالعجمي الفصيح: أعاد بوتين ترتيب أجندة الشرق الأوسط فجعل أولويات المنطقة تتبع أولوياته، مرة بقوة حق «الفيتو» في نيويورك، ومرة بسطوة طائرة الجيل الخامس سوخوي سو-35 في حلب، فتغاضت عنه دول عدة مرة بمصلحية فجة، ومرة بعري صارخ.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق