حتى في عصر الرئيس ترامب لا تزال الولايات المتحدة هي الحليف الاستراتيجي الأهم لدول الخليج العربي، وهذا ما يجعل كل مراقب سياسي يعرف سهولة تحملنا الكثير من تصريحاته الانتخابية التي يكررها عن قدرته على تحويل الأمن إلى سلعة على الزبون دفع ثمنها بعد أن جرد الأمن من قيمته الاستراتيجية وجدواه للمصالح الأمريكية، فهي كما نعلم تصريحات يكررها للإعلام وأمام ناخبيه من العمال في بنسلفينيا والفلاحين بنبراسكا، لكن – كما تابعنا شخصياً – لم نجد له تصريحاً واحداً حول تدفيعنا لثمن الأمن صادر منه أمام من يحاسبه حساباً عسيراً من المشرعين الأمريكيين في الكونغرس أو أمام النخب الفكرية في الجامعات أو مراكز الأبحاث الاستراتيجية فترامب يدرك أن غثاء السيل هذا يجب أن يكون محسوباً أين يلقيه بدقة.

ولسنا بحاجة للكثير لتفادى الوقوع في أسر شرك بلاغة وتهديدات خطابات ترامب، ويكفي أن نرى شعور الأوروبيين واليابان وكوريا الجنوبية وما يقوله تجاه إيران وكوريا الشمالية وروسيا وتركيا بعد صفقة S400 لندرك أن من العبث الأخذ بما يقوله بجد عن بيع الأمن لنا كسلعة. فهو كثير الوعيد والتهديد بل أن جل تغريداته هي تهديدات ومعارك ضد خصوم داخليين وخارجيين. وعلى من يتشمت في دول الخليج حين سماع كل خطاب ترويجي للأمن الأمريكي الذي يسوقه ترامب أن يدرك أننا لم نعد في عهد جون كينيدي الذي أوقف السفن السوفيتية في عرض البحر بتهديد لم يتجاوز بضع كلمات، ولا ريغان الذي باشر دون تهديد دك قصور القذافي فوق رأسه فقتل بعض بناته وشرد نسائه في العراء وكسر قدم زوجته.

ترامب الذي يسعد الشامتين بنبرة الابتزاز منه لا يؤخذ بحمل الجد دوماً فقد وسع من حيز الخطأ المقبول من إيران بوتيرة غير قابلة للفهم، قبل من يتابع تسويقه للأمن الأمريكي. فقد رفع راية حماية الأمن البحري في الخليج وأرسل مخفره الأمامي إبراهام لنكولن بخطوة قاصرة فلم يدخل مضيق هرمز، وروج بأنهم في مرحلة الردع وليس الهجوم، فتم التعرض للسفن الإماراتية والسعودية والنرويجية، فاكتفى المخفر بإرسال «محقق» بدل قوة لمطاردة المعتدين. ثم تم التعرض الثاني فتكرر إرسال المحقق وعرض الأدلة بفيديو، وبعد إسقاط طهران الطائرة الأمريكية المسيرة ومسارعة ترامب لتبرير الحادث مستبقاً التبرير الإيراني تأكد لنا أن عقيدة ترامب القتالية الجديدة هي توسيع حيز الخطأ المقبول من إيران.

وليست دوافع ذلك بخافية على المراقب الخليجي فهناك أسباب داخلية مرتبطة بالانتخابات وبصعوبة قرار الحرب، وضعف القوة البحرية الأمريكية في الخليج وصعوبة اعتراض صواريخ طهران بدليل العجز عن إسقاط صواريخ بيونغ يانغ فوق كوريا الجنوبية واليابان. كما أن من أسباب توسيع ترامب لحيز الخطأ الإيراني ورفع سقف لغة الابتزاز ضعف التحالف حوله فليس هناك إجماع خليجي. ولا إجماع ناتو فألمانيا شرطي للاتفاقية. وفرنسا لم يتوقف مندوبيها عن استجداء طهران وكأنها صاحبة اليد العليا. بل أن هياكل ترامب العسكرية في المنطقة قاصرة، لذا ينشئ كل يوم هيكل جديد.

* بالعجمي الفصيح:

لا نمانع في الخليج من أن ندفع نظير الأمن الحقيقي لا الزائف، لكن من يقنعنا أن عدم الكفاءة لا تضرب بأطنابها في بيت ترامب، مما دفعه لوضع الأمن كسلعة في سوق حراج بخس بدل الالتزام بالاتفاقيات الأمنية.

* كاتب وأكاديمي كويتي