الإشكالية الرئيسة التي منها تنبع سائر الإشكاليات الأخرى وإليها تعود في الأزمة الحالية بين إيران والغرب هي إشكالية مفاهيم؛ فرغم أن الجملة الأكثر استهلاكاً هي «تحاشي التصعيد»؛ إلا أن التصعيد يسير بوتيرة شبه ممنهجة لاختلاف فهم التصعيد. فقد تعرضت السفن في الخليج إلى الاعتداء، ثم أسقطت الطائرات المسيرة من الطرفين رغم تبادل النفي والتأكيد، ثم بدأت حرب المضائق من مضيق جبل طارق إلى مضيق هرمز باستيلاء البريطانيين على ناقلة نفط إيرانية ثم استيلاء الحرس الثوري على ناقلة نفط في مياه الخليج، مع توقعنا أن تشمل أعمال التصعيد -المنكر من الطرفين- مضائق باب المندب ومضيق قناة السويس ومضيق مالقا في شرق آسيا.

فالتصعيد في الأزماتConflict Escalation مرحلة تنمو بها الصراعات بمرور الوقت و يتم فيها رفع درجة التوتر وتوسيع ميدان الصراع . وزيادة الضغط والعنف لإرغام الخصم على عمل ما أو تحجيمه من السير في حالة معينة. وللتصعيد دور تكتيكي في الصراع العسكري الذي كان المزاج الخليجي يطالب به، ثم بعد نضوج قبح الأحداث وصل المزاج الخليجي للرشد وتمنى زوال التصعيد.

تصعيد الأزمات اقتناص ظروف مواجهة أفضل - على الأقل في العقيدة الغربية - لكنه في إيران مرحلة من مراحل حافة الهاوية The Edge of the Abyss ولا يقصد التصعيد لذاته بل يقام كأساس ليس للقفز أو التقدم بل للتراجع والنكوص بعد إيصال الغريم وداعميه وهم دول الخليج لحالة الإرهاق النفسي جراء الاستعداد والارتباك الطويل. فطهران تتبنى «التصعيد الثوري» لكونه مواصلة لخطة عمل تمليه ثورة لا دولة. ويتم التصعيد باستخدام الأدوات الثورية كالاعتماد على الجماهير أو الشعب أولاً الذين يمثلهم الحرس الثوري وليس البرلمان أو الجيش النظامي الإيراني. ثانياً يتم التصعيد الثوري بتكثير الأعداد المتضررة من ضغط واشنطن وتوسيع قاعدة المرهقين بالحصار لتبرير ما تقوم به طهران. وثالث الأساليب هو التصعيد النوعي فمرة بالصواريخ الحوثية ومرة بالطائرات المسيرة ومرة بمهاجمة السفن بالزوارق السريعة، ثم اختطافها. ولعل عيب التصعيد الإيراني هو عدم جاهزيته للصراع العسكري الحق، فالتصعيد هنا جزء من خطة حافة الهاوية، وهذا خطأ حيث لا يصح أبداً المناداة بالتصعيد قبل تشكيل مجموعات العمل والأنشطة والفعاليات أو ما يسمى بإجراءات ما قبل المعركة. ومن تبعات ذلك على طهران ركود الحس الثوري بدلاً من إيقاظه، فالتصعيد بدون عزيمة قتال حقة يؤدي دوماً للإحباط والإخفاق.

أما تصعيد الأزمة Conflict Escalation في الفكر العسكري الغربي فهو رفع درجة التوتر وتوسيع ميدان الصراع. لكن ما يمكن قراءته من المشهد هو أن الجانب الأمريكي/البريطاني عنصر رد فقط، وليس مسؤولاً عن التصعيد بل يجري بمبادرة من الإيرانيين. فالتصعيد هو توقف الحرس الثوري عن القيام بمهمة ضبط النفس.

ويمكن القول إن عملية التصعيد الجارية في الخليج لصالح القيادة الإيرانية فقد توحد الشعب خلفها بخلق شعور الضحية الملاحقة. وهو جيد للحرس الثوري كمبرر للميزانيات الإضافية رغم العوز، والتصعيد تدريبات بالذخيرة الحية، وتجريب لأسلحة مطورة، وفرصة لقادة الحرس الثوري الجدد ولسيرتهم الذاتية، ولتصدر وسائل الإعلام، فقد ملت طهران من تكرار اسم سليماني، وجعفري وحان تلميع حسين سلامي.

بالعجمي الفصيح

صار الخليج خلال التصعيد الحالي بدون عزيمة قتال حقة، يقف على مسافة متساوية من الطرفين؛ وأدي لإحباط الخليجيين أكثر من غيرهم، فانطبق علينا مثل»الشيخ راكان» بعد أن أصبحنا أمام «جمعين والثالث بحر»