قبل أن نصل إلى مدينة غرناطة عند سفح جبال سييرا نيفادا وطوال الطريق البالغ 900 كلم كان يكفي أن تقف وتصور بأي اتجاه بدون تحديد الكادر، وبدون مهارة بالتصوير، لتحصل على لقطة يعلق مثلها في صالة منزل بأي بقعة من العالم، فتدرج لون التلال من الذهبي إلى الأخضر مرصعة ببيوت صغيرة بيضاء يتوجها قرميد أحمر، فيما زرقة السماء تظهر شدة بياض قطع السحاب، كلها مناظر تحيي ملكة التذوق التي غيبتها مرارة الأيام. وفي ثنايا جمال الأندلس يقفز تفسير مقنع لتجشم كهل عمرة 75 عاما، اسمه موسى بن نصير، ليقطع على حصان مشقة سفر 3 آلاف كلم ليرى ما تم فتحه عام 711م، لقد كان القائد العظيم بن نصير - والذي كان بيده قرار فتح الأندلس فأرسل الجنرال الفذ طارق بن زياد - يسير في جنة الله في الأرض.

وفي تقديرنا أن نزعة الاتكال المفرط على الدروس التاريخية، هي تكريس للقوالب وحائل دون التفكير خارج الصندوق، إلا رواية الأندلس من جوانب ملتبسة. ومن ذلك ملاحظة عدم يأس الأسبان طول ثمانية قرون من اخراج المسلمين رغم الحضارة والرقي والنعيم الذي بناه المسلمون، فالوطن المحتل جحيم حتى يتم تحريره، فالإسبان شعب عظيم مما يجعل لحكمنا لهم معنى نفخر به. أما الأمر الثاني فهو أن مقاومة الأسبان للمسلمين قد بدأت مبكرة، واشتدت حتى تساقطت الإمارات الإسلامية واحدة بعد الأخرى من العاصمة قرطبة إلى بلنسية ثم إشبيلية، وعليه فحكم العرب للأندلس كان خمسة قرون فقط، وتساقط قطع الدومينو قد لا يعاصره جيلين فيعتاد عليه من يخلفهم. أما أهم ما يلفت النظر فهو نموذج غرناطة أو كما اتفق على تسميتها «الأندلس الصغيرة». فلم يبقَ سوى مملكة غرناطة التي بقيت صامدة في بحر من الكيانات المسيحية قرابة قرنين ونصف رغم صغر مساحتها وقلَّة سُكَّانها، حيث حافظت على قوتها وثقلها السياسي كصانعة للاحداث ليس في العلاقات المسيحية الإسلامية بل كانت تتدخل بين القوى المسيحية نفسها. ويرجع صُمودها لاسباب كثر، أبرزها بعدها من يد الممالك المسيحية القوية، واتكائها على المغرب كعمق استراتيجي، وارتفاع جاهزية أهلها العسكرية بالتدريب والسلاح والحصون، بالإضافة إلى قوة العقيدة بضرورة البقاء التي قواها تصميم الهاربين إليها من سائر مُدن الأندلُس على الصُمود والتضحية، والجهاد. لكن الاندلس الصغيرة سقطت في النهاية 1492. ولم ينفع غرناطة أن المُسلمين في المشرق كان يُحققون النصر تلو الآخر تحت رَّاية سُليمان القانوني العُثمانيَّة، الذي اتفق مع أمير البحار خيرُ الدين بربروسا «Barbarossa» لاسترجاع الأندلُس، فقد اندفع الإسبان والبرتُغاليّون بأساطيلهم لِتطويق المسلمين عبرالمُحيط الهندي، ولم يحقق الاميرال الاعرج الاعور ذواللحية الحمراء كما تصوره السرديات الغربية إلا حمل الهاربين من محاكم التفتيش.

* بالعجمي الفصيح:

مثل غرناطة كان مجلس التعاون ولازال آخر معقل من معاقل الوحدة العربية فقد تهاوت قبله كل اشكال الوحدة التي قامت، بالاستعمار والاحتلال والخلافات والربيع العربي. ومثل الاندلس الصغيرة ها هي أركان أندلسنا تهتز، وإن طال فلن ينفعنا بربروسا.

* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج