بعد داعش ستصبح قوات الحشد الشعبي، البالغة 100 ألف مقاتل و3 ملايين متطوع، واحدة من أهم الهياكل العسكرية تأثيراً على الأوضاع العراقية والإقليمية.
ولـ"الحشد الشعبي" ثقافة مميزة تتخطى مصطلح الثقافة المعروف بالنسيج الكلي من الأفكار والمعتقدات والعادات والاتجاهات والقيم والسلوك، حيث ينتمي الحشديون إلى ثقافة عقائدية تستند إلى الإيمان المطلق بثوابتها، فهم أسرى ثقافة طائفية تاريخية، حيث ارتبط دخول "الحشد الشعبي" أية منطقة برايات وشعارات وصور؛ بل وفي إصرار عجيب يرتدون ملابس سوداء وعربات قتال سوداء تناقض التمويه العسكري المطلوب لقتال الصحراء أو المدن، فهي لإرهاب سكان المناطق المستهدفة وتذكيرهم بثارات تبيح عمليات التطهير الطائفي والعرقي والتغيير الديموغرافي الذي يطول التجمعات التي لا تتماهى مع عقائدية "الحشد".
فثقافة "الحشد الشعبي" ثقافة شكل خارجي تتمحور حول كونها وحدة مُجازة دينياً من معمَّم يلبس الأسود قبل أن تكون كياناً متفرّعاً عن الدولة.
وتنتشر في قطاعات "الحشد الشعبي" الثقافة العسكرية الإيرانية، سواء في أنساق الهجوم بالراجمات الصاروخية، أو الهجوم بالموجات البشرية التي طوّروها في الحرب العراقية-الإيرانية؛ لوجود المستشارين والضباط الإيرانيين من مختلف الصنوف العسكرية والأمنية وقيادتهم الميدانية وسيطرتهم على حركة مقاتلي "الحشد"؛ تحقيقاً لتمدد المشروع الإيراني والسيطرة على القرار في العراق.
وقد غرست طهران ثقافة أن "الحشد الشعبي" جزء من المخطط الإيراني التوسعي في الوصول إلى الحدود العراقية مع جوارها الإقليمي، ورصف الطريق الميداني الذي سيسلكه الحرس الثوري لسوريا وتركيا والأردن والكويت ثم الخليج.
ورغم أننا نثمّن زيارة السيد مقتدى الصدر ومن معه للخليج، مؤخراً، كسبيل لاسترجاع العراق إلى حضن أمته العربية بدل المُرضعة الفارسية، فإن فكر "الحشد" قد توطَّن فيه التشرذم الحاد استناداً إلى ولاءاته لآية الله خامنئي مرة، أو آية الله علي السيستاني مرة. كما أن في "الحشد الشعبي" ثقافة انفصالية تزداد وتقلُّ بزيادة أو نقصان سطوة مجموعات المالكي والصدر والسيستاني، فـ"الحشد الشعبي" كيانات انتخابية طائفية عمَّقت الروح الانفصالية، وطبعت "الحشد الشعبي" بصفة المليشيات المثيرة للإشكاليات، والبنية المشاكسة التي لا تخضع لأي مساءلة؛ بل إن مقتدى الصدر نفسه أشار إلى "الحشد" بأنه "المليشيا الوقحة"، أما السيستاني فقد استنكر السلوكيات الاستئثارية لكبار قادته.
بالعجمي الفصيح
لأنه من المستحيل أن تغادر كوادر "الحشد الشعبي" ثقافة محطتها الفطرية لتكوين ثقافة تعايش مع محيطها، فمن الحكمة عرض صورتها الحقيقية وجعلها عرضة للاغتيال المعنوي ثم الاندثار، حيث لا مجال في الثقافة الحشدية لفهم وقبول الآخر؛بل الصدام معه كما كانت حال داعش.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق