يقال إن هناك شاباً في قرية صغيرة كان يضايق بنت شيخ القرية، وبعد أن ضاقت بها السبل أبلغت والدها بالأمر. وكان شيخاً حكيماً لم يشأ أن ينتشر مثل هذا الخبر عن ابنته، وفي الوقت نفسه لم يرد أن يترك الموضوع يمر مرور الكرام. فطلب الشيخ من أحد نوابه تتبع الشاب والتأكد من حضوره كل فروض الصلاة في المسجد، لعله يتغيب فيحضره له. ولم يكن الشاب مع المصلين بعد صلاة العصر في أحد الأيام، فأحضروه للشيخ الذي أمر بجلده جلداً مبرحاً بالساحة العامة. وأحس الشاب أن سبب هذه الوحشية في جلده هو مغازلته لبنت شيخ القرية وليس ترك فرض واحد. وأثناء الجلد، مر رجل من أهل القرية فقال: ما سبب هذا الضرب المبرح!! قال الشاب بصوت عالٍ: الشيوخ أبخص.

وتتفق قصتنا في العنوان وتختلف في المغزى مع نهج سارت عليه الحياة السياسية ليس في الخليج فحسب بل في العالم العربي لعقود، وتمثل في تأطير المواطن في حدود معيشته، وحرمانه من الخوض في الشأن العام، كونه شأن مؤسسة الحكم فقط، وهي وحدها تعلم، وهي أحق، وأكفأ بإدارة الأمور. فتركوها تتخبط وعاشوا يعانون من وطأة المقولة الشعبية: الشيوخ أبخص!

ولم يقتصر الأمر علينا في الخليج فالنشاط السياسي شأن غريب ليس في بلاد العرب بل بين العرب المهاجرين لأوروبا وكندا وأمريكا. لذا لم توجد لوبيات عربية، لأن العرب الأمريكيين لا يملكون تراثاً من العمل في السياسة، فمعظمهم جاء من مجتمعات يعد النشاط السياسي فيها محرماً، بل إن عبدالناصر قد سأل يوماً إذا ما كانت اللوبيات العربية في أمريكا وفكرة الضغط ومحاولة التأثير شرعية في الأساس!

* بالعجمي الفصيح:

في الأزمة الخليجية الراهنة، صرنا نترحم على أيام كان الشيوخ فيها أبخص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية. فقد فتحت «تويتر» و«واتساب» وغيرها من وسائط التواصل الاجتماعي أفواهها، وكأن الشعوب الخليجية فجأة استنفدت حصتها من الانكفاء السياسي لتساهم بالغث والسمين في مسار غير قابل للارتداد، فهل ساهمت الأزمة الخليجية في رفع الوعي السياسي، أم في ارتباكه؟

* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج