Gulf security أمن الخليج العربي

الأربعاء، 27 فبراير 2013

عبقرية المكان عبء إستراتيجي على الخليج

د.ظافر محمد العجمي –المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج   
عبقرية المكان عبء إستراتيجي على الخليج
قدر للخليج العربي الانتقال من المهمش ليكون مرتكزاً للتحولات الكبرى في كل منعطف تاريخي. فحين فشلت بريطانيا في 1859م بربط مستعمراتها في الهند بخط تلغرافي عبر البحر الأحمر، تجددت أهمية الخليج كممر للتلغراف الهندي–الأوروبي. ورغم أن القوى المحلية على ضفتي الخليج كانت تستعدي مروره، إلا أن بريطانيا نجحت في إيصاله للهند بالاتفاق مع شيوخ القبائل المار بأراضيهم، أو بوضعها حراسة كل بضعة أميال، ثم بتوقيع اتفاقيات مع شيوخ إمارات الخليج لحمايته. ومنها ما تم مع عمان 1864م ومع مبارك الصباح 1912م. وكان تكليف شيخ لحماية الخطوط مظهر من مظاهر سيادته على الأراضي التي يحميها. وحماية التلغراف هي الذريعة التي اتخذها شاه إيران ليطالب بمكران جميعها من بندر عباس إلى حدود مقاطعة السند البريطانية بحكم أنه كان يسيطر على هذه الأراضي بينما كان فعلياً يحمي سلكاً معلقاً على أعمدة فحسب. لقد مر التلغراف بالفاو والكويت والبحرين والإمارات وأبوشهر ووجوادر ومكران، وفي مسندم احتل البريطانيون جزيرة صغيرة كمحطة تلغراف يسهل الدفاع عنها وسميت منذ 1864م حتى الآن «جزيرة التلغراف». 
كانت سكك الحديد هي مشاريع الاستثمار الكبرى في القرن التاسع عشر لكن خط برلين بغداد الألماني توقف عن الوصول للخليج عام 1900م حين صد مبارك الصباح الهر «ستمرش Stemirsh» بدوافع بريطانية. ثم ظهرت وسيلة الاتصالات الأخرى التي أعادت للخليج أهميته في الربع الأول من القرن العشرين وتمثلت في مدارج هبوط الطائرات، وكانت تنتشر على الساحل العربي والفارسي على حد سواء. وبمزيج من الدبلوماسية والإكراه نجحت بريطانيا في تأسيس مطارات صغيرة على طول الساحل العربي رغم إظهار الحكام عدم الرضا لخشيتهم من المساس باستقلالهم. لقد حاولت بريطانيا أن تجعل سماء الخليج مجللة بالغيوم البريطانية كما سبق أن جعلت مياهه بحيرة بريطانية، لكن الحرب العالمية الثانية أثبتت استحالة ذلك حيث مزق بطل إيطاليا الفاشية الطيار إيتوري ميوتي «Ettore Muti» الغيوم البريطانية بـ132 قنبلة على مصافي النفط في البحرين صباح 19 أكتوبر 1940م. أما زميلة فيدريشي فعوض ضياعه بالإغارة على مصافي نفط الظهران. واستمر الخرق للاستحكامات البريطانية خلال الحرب حيث نجحت الغواصة الألمانية «U-533» في دخول البحيرة البريطانية المقدسة، لكن الطائرات الأميركية والبريطانية نجحت في اللحاق بها وإغراقها، ولم ينج من بحارتها الـ53 إلا الميكانيكي غونثر شميت «mechanic Gunther Schmidt». الذي سبح مرتعشا لشاطئ الفجيرة صباح 16 أكتوبر1943م.
البحث عن الغواصات في عمق الخليج وتدميرها لازال مستمرا من قبل القوات البريطانية والأميركية كما كان منذ مائة عام؛ ذلك هو الثابت السالب، لكن المتغير الإيجابي هو انضمام سفن حربية خليجية للتصدي للغواصات المعادية، حيث شاركت السعودية في تمرين سمك القرش العربي Arabian Shark 2012 مع بحريات أميركا وبريطانيا وباكستان. وتكمن أهمية المناورات البحرية الدورية أو العارضة أنها تعزز العلاقات العسكرية وتحسن التقنيات القتالية للدول المشاركة بهدف حماية أعماق بحيرتنا المقدسة عند غيرنا.
عبقرية المكان التي يتصف بها الخليج العربي منذ أن كان جزءاً من طريق الحرير عادت لتجعل الاتصالات الدافع المتجدد لأهميته. فقد ورثت أميركا دور بريطانيا في بناء وحماية محطات الاتصالات اللاسلكية والكابلات البحرية التي أضحت عصب الاقتصاد الحديث، حيث عززتها ثورة الإنترنت فتجدد الطلب على ربط دول العالم بكابلات بحرية. فالمناورات البحرية مع بريطانيا وأميركا وسيطرتنا على أعماق الخليج هي لاستثمار الخليج كمعبر للاتصالات الحديثة، وفي الوقت نفسه لحماية تلك الكابلات. ففي باب القيمة الاقتصادية تعد حماية الكابلات البحرية حماية لأحد آليات رفع القيمة الجيوستراتيجية لبلداننا وحفظاً لمكانة الخليج كمحور للاتصالات الدولية، فالكابلات التي تربط الشرق بباقي الإنترنت غرباً تمرّ بالخليج. فكم تحصل دول الخليج من رسوم مقابل هذا العبور؟ وكم تحصل على رسوم للصيانة، والضرائب، بل وحتى من الجزاءات حين الإخلال بشروط المحافظة على البيئة البحرية. 
إن انقطاع الكابلات البحرية ضرر لاقتصاد الدول التي تشترك معنا فيها، ومما يزيد القلق أنه قد حدث انقطاعات عدة في الكابلات المارة بنا، والتي تصل الشرق بالغرب، ومنها انقطاع كابل فالكون أمام ميناء بندر عباس الإيراني، وتكتمت عليه السلطات الإيرانية. ثم انقطع كابل فالكون نفسه بين مسقط ودبي. أعقبه انقطاع خط بين قطر والإمارات، ثم خط لشركة فلاغ تيليكوم موجود في شمال شرقي دبي فهل ذلك حادث عرضي أم تخريب يدعو للقلق؟ وأين سفننا وغواصات حلفائنا من هذا العمل العسكري! حيث نشير لكتاب خدعة الرجل الأعمى «Blind Man’s Bluff» المشتمل قصصاً عن جيل من الغواصات تتنصت على كابلات الإنترنت البحرية. بل وتقوم بقطع تلك الكابلات ثم توصيلها بسرعة بعد أخذ تفريعة للتنصّت. وسأترك ما يجري في أعماق الخليج لخيالكم وهو متكئ على سؤال محفز هو: لماذا أصيبت إسرائيل بالهلع حين دخلت غواصات الديزل الإيرانية القزمة «Midget Sub «البحر الأحمر في العام الماضي؟!

ليست هناك تعليقات:

Gulf seurity أمن الخليج العربي

Kuwait
تبين هذه المدونة كيف تمتع الخليج بأهمية كبيرة أدت إلى خلق عبء استراتيجي على أهله بصورة ظهرت فيها الجغرافيا وهي تثقل كاهل التاريخ وهي مدونة لاستشراف مستقبل الأمن في الخليج العربي The strategic importance of the Gulf region creates a strategic burden and show a good example of Geography as burden on history. This blog well examine this and forecast the Gulf's near future and events in its Iraq, Iran ,Saudi Arabia ,Kuwait, Bahrain ,Qatar, United Arab Emirates and Oman

أرشيف المدونة الإلكترونية