د.ظافر محمد العجمي -المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج
تكفي صورة واحدة أن تكون مقياسا للجاهزية القتالية، الإقلاع الفوري، قواعد الاشتباك، التغييرات البنيوية والمهارات القتالية الكبيرة التي اتصفت بها القوة الجوية العراقية إبان حربها مع إيران، حينها كان بمقدور بغداد وضع خط في الخليج وإغراق كل سفينة تعبره شمالا. وفي تفاصيل الصورة تقلع في 8 مساء 17 مايو 1987م طائرة ميراج F1 تابعة للسرب الرئاسي 51 من قاعدة الشعيبة الجوية، وفي تقرب جريء من الفرقاطة الأميركية ستارك «USS Stark» يطلق قائدها صاروخا فرنسيا مضادا للسفن من نوع إكسوسويت «Exocet» من على بعد 42 كم، ثم يطلق صاروخا آخر حين أصبح على بعد 28 كم. وتنفجر الصورة في ليل الخليج المظلم، مخلفة انعكاس نيرانها على زجاج قمرة الطيار العراقي وهو ينثني بطائرته مبتعدا عن جثة 37 بحارا أميركيا و21 جريحا، دون أن ترد سفينتهم عليه بطلقة واحدة. كان للعراق حينها الفخر بسلاحه الجوي، فقد أرسل طائرات سوبر إتندار لقصف السواحل الجنوبية لإيران، كما نجح في جعل الهليوكوبتر «غزال» مدفعية ميدانية ترتفع وتنخفض لدك خنادق الإيرانيين. لكن قرارا أرعن من الطاغية صدام جعل ذلك السلاح شظايا تتطاير. منها 240 مقاتلة في عاصفة الصحراء، ومئة طائرة إلى إيران، ثم قضت خطة «الصدمة والترويع» 2003م على بقية الطائرات والرادارات وأنظمة الدفاع الجوي.
وتكتشف اليوم حكومة المالكي سوء تدبيرها في مجال حماية أجواء العراق في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي، فالعراق عمليا لا يملك قوة جوية رغم مضي 8 سنوات على الحرب، حيث اعترفت لجنة الأمن والدفاع النيابية بعجز القوة الجوية على أداء مهماتها، فالعراقيون لا يملكون خطة لحماية أجوائهم إلا الوعود الأميركية لبيعهم طائرات F16، وحسن الظن بجيرانهم. وبئس خطة الدفاع هذه لبلد يقع بين صقور تركيا وسوريا وإيران.
لقد أعلن رئيس ديوان الرئاسة العراقي نصير العاني إن السيناريوهات الخاصة بالدفاع الجوي عن سماء العراق تشمل:
1- إمكانية عقد اتفاق مشترك مع دول الخليج لحماية ليس الأجواء العراقية فحسب وإنما التوصل إلى منظومة أمنية تؤمن المنطقة كلها. 2- استئجار طائرات لتأمين أجوائه والاتفاق مع شركات حماية لهذا الغرض، وقد أكد المالكي هذا الخيار في أكتوبر 2011م مبررا ذلك بوجود سابقة استئجار الطاغية صدام لطائرات سوبر اتندار. 3- عقد اتفاق مشترك مع دول المنطقة، وقد وافقت تركيا على المقترح دون تحفظ، أما الموقف الإيراني فلم يتبلور بعد.
إن البؤس غير اللائق لسلاح الجو العراقي يأتي بوصول زعامات سياسية فاسدة للسلطة منذ قاسم حتى اليوم، حيث خلقت تقهقره السريع نحو تدمير نفسه في صراعات غير مبررة، وما يهمنا بحثه هو السيناريو الأول. فمما لا شك فيه أن خروج طائرات دول مجلس التعاون لحماية أجواء العراق هو خارج الخطوط المتعارف عليها في العلاقات الجوية بين العراق والكويت خاصة ودول الخليج عامة، فقد صبحتنا بغدرها طائرات السيخوي والميراج وهند العراقية، وطارت مقاتلات مراقبة منطقة الحظر الجوي مذلة العراق من الكويت لمدة طويلة، مما جعلنا نطوي كل عقد بمنتهى الدموع. وبدل تبادل النفي يجدر بنا الآن تبادل الاعتراف بحاجتنا للعراق وبحاجة العراق للخليج أكثر من حاجته للحماية الجوية من قبل إيران، تركيا، أو شركات غربية خاصة ولنا في هذا جملة ملاحظات منها:
1- ما تقوم به حكومة بغداد هو محاولات عجولة مرتبكة للتواؤم مع انحسار الغطاء الجوي الأميركي عنها، حيث تبحث على عجل كمتسوقي رأس السنة عن من يقدم خدمة الإنذار المبكر، الدوريات الجوية، ثم التصدي لأي اختراق لأجواء العراق.
2- من أعمق الجدليات الاستراتيجية اختيار الوقت المناسب للقفز في منطقة فراغ القوة، لكننا لا نملك ترف الانتظار وترك الفراغ لإيران وتركيا، حيث إن على دول المجلس التقاط الدعوة وإرجاع عراق المالكي إلى الحضن العربي، وإقناعهم بقدرتنا على النهوض بهذه التبعات الإقليمية.
3- المهمة الملقاة على دول الخليج ملحة ومعقدة بحجم الرهانات التي نستهدفها ضمن خطة «الدفاع عن أفق البوابة الشرقية». حيث يمكن أن يستظل الاتفاق بامتدادات اتفاقية الدفاع العربي المشترك، أو منظمة أمنية جديدة «6+1» رغم ما ستحتويه من كم هائل من العقد كالعبء المالي واستهلاك الطائرات وقانونية تقرب الخليجيين من حدود إيران وتركيا وسوريا والأردن.
4-إن امتداد نظام الدفاع الجوي الخليجي فوق العراق أمر ممكن بعدد الطائرات التي نملكها ومهنية طيارينا وضباط مراكز توجيه المقاتلات، لكنه يعني عمليا جيرة إيران جويا. حيث ستنتقل مواجهة F15 مع طائرة صاعقة الإيرانية، من كونها مخاوف لتصبح واقعا.
5- إن مقتل اقتراح تكليف إيران بحماية الأجواء العراقية يكمن في عدم موافقة الولايات المتحدة لتعارض ذلك مع خططها المستقبلية والضربة العسكرية المزعومة. كما يعني أن إيران ستتخذ من بغداد مقرا ومن البصرة ممرا إلينا. حيث سيظهر مسير العلاقات العراقية الخليجية مكتوبا بالعداء مسبقا.
وتبقى عدة تساؤلات منها موقف بقية العراقيين من سيناريوهات حماية سماء العراق، فقد قال القيادي بالقائمة العراقية حامد المطلك إن مثل هذه الأمور لم تطرح. ومنها جدية حكومة المالكي في عقد اتفاقات تفكك أطر التعاون الحميم مع طهران، فهل يضحي بأصدقائه كما فعل الطاغية صدام بالأميركيين حين دمر «الفرقاطة ستارك» حماية لأمن العراق؟ إن علينا التسليم للتاريخ بحقه في توضيح الأمور. والتاريخ يقول إن الطاغية اعترف بضربه للفرقاطة ستارك بالخطأ، وتم إبلاغ أهالي القتلى بإعدام الطيار المهاجم، وبمليون دولار لكل شخص كتعويض. ليفاجئنا روبرت فيسك' Robert Fisk 'في 2005م أن الطيار لم يعدم. ولتؤكد أخبار العراق بعد ذلك أن عناصر المخابرات الإيرانية وبعض المنطوين تحت جناحها قاموا باغتيال العقيد الطيار طارق السعدون في محافظة ذي قار، أثناء تنفيذهم عمليات اغتيال الطيارين وضباط الجيش والبعثيين.
تكفي صورة واحدة أن تكون مقياسا للجاهزية القتالية، الإقلاع الفوري، قواعد الاشتباك، التغييرات البنيوية والمهارات القتالية الكبيرة التي اتصفت بها القوة الجوية العراقية إبان حربها مع إيران، حينها كان بمقدور بغداد وضع خط في الخليج وإغراق كل سفينة تعبره شمالا. وفي تفاصيل الصورة تقلع في 8 مساء 17 مايو 1987م طائرة ميراج F1 تابعة للسرب الرئاسي 51 من قاعدة الشعيبة الجوية، وفي تقرب جريء من الفرقاطة الأميركية ستارك «USS Stark» يطلق قائدها صاروخا فرنسيا مضادا للسفن من نوع إكسوسويت «Exocet» من على بعد 42 كم، ثم يطلق صاروخا آخر حين أصبح على بعد 28 كم. وتنفجر الصورة في ليل الخليج المظلم، مخلفة انعكاس نيرانها على زجاج قمرة الطيار العراقي وهو ينثني بطائرته مبتعدا عن جثة 37 بحارا أميركيا و21 جريحا، دون أن ترد سفينتهم عليه بطلقة واحدة. كان للعراق حينها الفخر بسلاحه الجوي، فقد أرسل طائرات سوبر إتندار لقصف السواحل الجنوبية لإيران، كما نجح في جعل الهليوكوبتر «غزال» مدفعية ميدانية ترتفع وتنخفض لدك خنادق الإيرانيين. لكن قرارا أرعن من الطاغية صدام جعل ذلك السلاح شظايا تتطاير. منها 240 مقاتلة في عاصفة الصحراء، ومئة طائرة إلى إيران، ثم قضت خطة «الصدمة والترويع» 2003م على بقية الطائرات والرادارات وأنظمة الدفاع الجوي.
وتكتشف اليوم حكومة المالكي سوء تدبيرها في مجال حماية أجواء العراق في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي، فالعراق عمليا لا يملك قوة جوية رغم مضي 8 سنوات على الحرب، حيث اعترفت لجنة الأمن والدفاع النيابية بعجز القوة الجوية على أداء مهماتها، فالعراقيون لا يملكون خطة لحماية أجوائهم إلا الوعود الأميركية لبيعهم طائرات F16، وحسن الظن بجيرانهم. وبئس خطة الدفاع هذه لبلد يقع بين صقور تركيا وسوريا وإيران.
لقد أعلن رئيس ديوان الرئاسة العراقي نصير العاني إن السيناريوهات الخاصة بالدفاع الجوي عن سماء العراق تشمل:
1- إمكانية عقد اتفاق مشترك مع دول الخليج لحماية ليس الأجواء العراقية فحسب وإنما التوصل إلى منظومة أمنية تؤمن المنطقة كلها. 2- استئجار طائرات لتأمين أجوائه والاتفاق مع شركات حماية لهذا الغرض، وقد أكد المالكي هذا الخيار في أكتوبر 2011م مبررا ذلك بوجود سابقة استئجار الطاغية صدام لطائرات سوبر اتندار. 3- عقد اتفاق مشترك مع دول المنطقة، وقد وافقت تركيا على المقترح دون تحفظ، أما الموقف الإيراني فلم يتبلور بعد.
إن البؤس غير اللائق لسلاح الجو العراقي يأتي بوصول زعامات سياسية فاسدة للسلطة منذ قاسم حتى اليوم، حيث خلقت تقهقره السريع نحو تدمير نفسه في صراعات غير مبررة، وما يهمنا بحثه هو السيناريو الأول. فمما لا شك فيه أن خروج طائرات دول مجلس التعاون لحماية أجواء العراق هو خارج الخطوط المتعارف عليها في العلاقات الجوية بين العراق والكويت خاصة ودول الخليج عامة، فقد صبحتنا بغدرها طائرات السيخوي والميراج وهند العراقية، وطارت مقاتلات مراقبة منطقة الحظر الجوي مذلة العراق من الكويت لمدة طويلة، مما جعلنا نطوي كل عقد بمنتهى الدموع. وبدل تبادل النفي يجدر بنا الآن تبادل الاعتراف بحاجتنا للعراق وبحاجة العراق للخليج أكثر من حاجته للحماية الجوية من قبل إيران، تركيا، أو شركات غربية خاصة ولنا في هذا جملة ملاحظات منها:
1- ما تقوم به حكومة بغداد هو محاولات عجولة مرتبكة للتواؤم مع انحسار الغطاء الجوي الأميركي عنها، حيث تبحث على عجل كمتسوقي رأس السنة عن من يقدم خدمة الإنذار المبكر، الدوريات الجوية، ثم التصدي لأي اختراق لأجواء العراق.
2- من أعمق الجدليات الاستراتيجية اختيار الوقت المناسب للقفز في منطقة فراغ القوة، لكننا لا نملك ترف الانتظار وترك الفراغ لإيران وتركيا، حيث إن على دول المجلس التقاط الدعوة وإرجاع عراق المالكي إلى الحضن العربي، وإقناعهم بقدرتنا على النهوض بهذه التبعات الإقليمية.
3- المهمة الملقاة على دول الخليج ملحة ومعقدة بحجم الرهانات التي نستهدفها ضمن خطة «الدفاع عن أفق البوابة الشرقية». حيث يمكن أن يستظل الاتفاق بامتدادات اتفاقية الدفاع العربي المشترك، أو منظمة أمنية جديدة «6+1» رغم ما ستحتويه من كم هائل من العقد كالعبء المالي واستهلاك الطائرات وقانونية تقرب الخليجيين من حدود إيران وتركيا وسوريا والأردن.
4-إن امتداد نظام الدفاع الجوي الخليجي فوق العراق أمر ممكن بعدد الطائرات التي نملكها ومهنية طيارينا وضباط مراكز توجيه المقاتلات، لكنه يعني عمليا جيرة إيران جويا. حيث ستنتقل مواجهة F15 مع طائرة صاعقة الإيرانية، من كونها مخاوف لتصبح واقعا.
5- إن مقتل اقتراح تكليف إيران بحماية الأجواء العراقية يكمن في عدم موافقة الولايات المتحدة لتعارض ذلك مع خططها المستقبلية والضربة العسكرية المزعومة. كما يعني أن إيران ستتخذ من بغداد مقرا ومن البصرة ممرا إلينا. حيث سيظهر مسير العلاقات العراقية الخليجية مكتوبا بالعداء مسبقا.
وتبقى عدة تساؤلات منها موقف بقية العراقيين من سيناريوهات حماية سماء العراق، فقد قال القيادي بالقائمة العراقية حامد المطلك إن مثل هذه الأمور لم تطرح. ومنها جدية حكومة المالكي في عقد اتفاقات تفكك أطر التعاون الحميم مع طهران، فهل يضحي بأصدقائه كما فعل الطاغية صدام بالأميركيين حين دمر «الفرقاطة ستارك» حماية لأمن العراق؟ إن علينا التسليم للتاريخ بحقه في توضيح الأمور. والتاريخ يقول إن الطاغية اعترف بضربه للفرقاطة ستارك بالخطأ، وتم إبلاغ أهالي القتلى بإعدام الطيار المهاجم، وبمليون دولار لكل شخص كتعويض. ليفاجئنا روبرت فيسك' Robert Fisk 'في 2005م أن الطيار لم يعدم. ولتؤكد أخبار العراق بعد ذلك أن عناصر المخابرات الإيرانية وبعض المنطوين تحت جناحها قاموا باغتيال العقيد الطيار طارق السعدون في محافظة ذي قار، أثناء تنفيذهم عمليات اغتيال الطيارين وضباط الجيش والبعثيين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق