مثل كلمة «الوحدة» التي كانت تزين كل أدبيات الفكر الخليجي، صارت كلمة «الأزمة» هي الدارجة ‏في زمن لا تخضع فيه العلاقات الخليجية - الخليجية لتعريف إيجابي إلا بصعوبة. وفي زمن مضى كنا ‏بتهكم ننتظر «ديسمبر شهر ترحيل بنود التكامل من قمة لقمة»، أما الآن فنبحث عن الستر لبقاء ‏المجلس كهيكل واحد بكل مكوناته. ‏

إن الحجر الأول المنتزع من هرم مجلس التعاون كمنظمة إقليمية هو عدم اكتمال نصاب المجلس ‏الأعلى. واستمرارإشاعات الحضور والغياب هو الاضطراب الانحداري الذي سيسبق حالة الانفراط ‏المفاجئ الخالي حتى من التمهيد. ومن قارئٍ هضم بإمعان تاريخ الخليج العربي من منظور العلاقات ‏الإقليمية والدولية نعيد التذكير بأولويات بسيطة لتلافي المآلات المأسوية لانهيار مجلس التعاون:‏

*‏ ليس في البال كلمة من الكلمات التي ادخرتها للغضب لأصف بها الارتباك الاستراتيجي الذي تعانية دول ‏الخليج إذا اعتقدت أن الأخطار التي أدت لقيام مجلس التعاون قد زالت، فإيران لا زالت تقع بين خطي ‏عرض «25-40» وخطي طول «44-62» درجة شمالاً. وحين قام المجلس لم يكن لدى طهران مكملات ‏استراتيجية كالحشد والحوثة و»حزب الله» مقيمة على حدودنا من الجهات الأربع. ولم يكن ترامب يبتزنا بل ‏كنا في عزلة مريحة في ظل عقيدة كارتر «‏Carter Doctrine‏» التي ربطت أمن الخليج بأمن ‏أمريكا 1980.‏

*‏ لقد قيل إن الشركات التجارية الخاصة تنهار في الجيل الثالث، وإن الدول مثلها، كما لا يفلت من هذا القدر ‏إلا القليل من المنظمات الإقليمية، وقد أسال هذا الإسقاط عن مجلس التعاون الكثير من الحبر محملاً هذا ‏الجيل الاختمار السياسي الحالي، وانقضاء عصر الفروسية الذي جلل بالفخر اللحظات التأسيسية ‏للمجلس. وهي منابع ربما لاخيار إلا بالعودة لها، فنحن من المراهنين على دبلوماسية الأدب الجم ‏ودبلوماسية حب الخشوم الخليجية التي أدت لتجاوز الكثير من الخلافات وتقدير ما تعتمر به النفوس لا ‏الاتفاقيات والنصوص، فلنعد للروح الخليجية.‏

‏* لقد تم تزييفِ مسرودات تاريخ التعاون الخليجي تحت مظلة المجلس، فتم تقديم منجز التنقل بالبطاقة، ‏والفخر بربط نظام المخالفات المرورية على التسويق لمنجزات لم تتحقق في أعرق المنظمات ‏الإقليمية، كقيام منطقة تجارة حرة والمواطنة التجارية وتوحيد مدركات مجالات النفط والغاز ‏والبتروكيماويات والصناعة والربط الكهربائي وحزام التعاون والربط الراداري، وهي خير دافع لبقاء ‏المجلس. ‏

‏* نعيش في زمن توازنات حرجة في الأمن والاقتصاد والسياسة، وقد استشرفت ذلك دول عدة فانضوت ‏تحت هياكل منظمات إقليمية، وكنا على نفس النهج نسير حتى أصبح مجلس التعاون منظمة لها شأن ‏رفيع بين الكتل الإقليمية في السنوات العشرين الماضية، والتحول الملاحظ هو أن التعاون أصبح بين ‏الكتل الإقليمية بدل الدول، فهل من صالح الكويت مثلاً أن تتعامل مع كتلة «آسيان» منفردة أو أن تتعامل عمان ‏منفردة مع كتلة «الناتو»!‏

* بالعجمي الفصيح: ‏

مرت منظمات إقليمية بما يمر به مجلس التعاون حالياً، وقد تجاوزتها حين لم تترك خلافات تقودها معطيات ‏ظرفية متغيرة، تطغى على حقيقة أن مساحات الاتفاق، تفوق مساحات الاختلاف، فهل نملك رفاهية ‏الاختيار بين الاستمرار أو الانهيار!‏