ضمور روح الجيرة هو الوصف الذي يمكن أن نصف به العلاقات الإقليمية الراهنة فلا أحد ينفع أحد ولو بشربة ماء. حيث يبدو أن المياه لا النفط هي أداة إعادة تعريف مجالات النفوذ الإقليمية. وتكاد مراكز الدراسات الاستشرافية أن تجمع على أن المياه ستكون أهم أسباب اندلاع الحروب والصراعات المستقبلية في المنطقة، وهنا تكمن المعضلة فقد استحق بأسرع مما توقعنا سداد دفع فاتورة متعددة البنود. فالجوار الإقليمي سيء الجيرة، والدول العربية تعاني من الجفاف وسوء إدارة المياه، وحتى الآن لا تبدو العراق ومصر ودول الخليج ذات اليد العليا في إدارة معارك العطش الإقليمي، كنتاج للموقف السلبي من حركة الطبيعة في هذا الإقليم.

فالعراق مقبل على التحول إلى وادي الجفاف بدل وادي الرافدين، هناك أزمة مياه جراء بناء «سد أليسو» التركي الذي سيحرم العراق من نصف حصته المائية من نهر دجلة. أما إيران فقد غيرت مجرى نهر الكارون بالكامل وأقامت ثلاثة سدود على نهر الكرخة وهما مصدر رئيس للمياه. مع العلم أن مياه الأنهار من تركيا وإيران تشكل 70 % من موارد العراق المائية. أما مصر فرغم الانحناءات الدبلوماسية، والابتسامات المرحة بين مصر وأثيوبيا إلا أن سد النهضة مرشح أن يشعل أول حرب على المياه في العالم. فمصر تخشى احتمال أن يؤثر السد سلباً على تدفق حصتها السنوية من نهر النيل، فيما تقول إثيوبيا إنه لن يضر بدولتي المصب، السودان ومصر رغم أن أديس أبابا شجعت دول المنبع للتوقيع منفردة على اتفاق لإعادة تقسيم مياه النيل رغم اعتراض مصر والسودان. ووصل الأمر إلى التهديدات بأعمال عسكرية. بل إن رئيس الوزراء الأثيوبي ملس زيناوي قال في تهديد مبطن لا نخشى أن يغزو المصريون أثيوبيا فجأة، فلم يعش أحد ممن حاولوا ذلك قبلاً ليحكي نتيجة فعلته، ولا أعتقد أن المصريين سيختلفون عمن سبقهم وأعتقد أنهم يعلمون ذلك. كما لم تسلم الأردن من تهديدات الصهاينة المائية، فقد اعتمد رئيس سلطة المياه الإسرائيلية لغة الوعيد على خلفية إغلاق سفار تل أبيب فبراير 2018، حين قال إن «مستقبل النظام الأردني معلق بيد إسرائيل التي تزوده بالمياه». كما تشمل الأطماع الإسرائيلية المياه اللبنانية لسد حاجة المناطق الشمالية اعتماداً على الحاصباني والوزاني ونهر الليطاني.

* بالعجمي الفصيح:

فيما نبدو صامتين وكأنه لا يخصنا من معارك المياه الإقليمية إلا دفع فاتورتها، تسجل الكويت نفسها ثاني دولة في العالم افتقاراً للمياه الطبيعية من الأمطار والمياه الجوفية وسيتبعها دول خليجية أخرى استنفذت مخزونها الاستراتيجي من المياه. حيث تسجل دول الخليج نفسها من الدول الفقيرة مائياً، وهي في مركز الجفاف المائي القادم لتزايد السكان والاحتياجات المنزلية والصناعية والزراعية والاستنزاف العشوائي، وتفاقم ‏الصراعات السياسية التي حرمتنا من مياه دجلة والفرات لقرن كامل ليختمها مفاعل بوشهر بخطر التسرب الذي سيلوث مياه الخليج العربي مصدر المياه الوحيد الباقي لنا.