اشتهر أنتوني كوردسمان «Anthony Cordesman» بمؤلفاته ومحاضراته حول التحوّلات التي تشهدها القوات العسكرية والتوازنات والاستراتيجيات، والدروس التي يتم استخلاصها من الحرب. لقد كان توني على طرف طاولتنا في مؤتمر «فكر16» الذي عقدته مؤسسة الفكر العربي الرائدة قبل أسبوعين. وفي قاعات المؤتمر كان هناك ما لا يقل عن عشرين ضابطاً متقاعداً من دول عدة، عرفت منهم ضابطاً من قوات الصفوة Navy Seal ومشاة بحرية وطيارين جميعهم نهلوا الفن العسكري من أرقى مصادر التدريب. لكن حضر العسكر، وغاب الفكر العسكري عن الدورة، التي أطلق فيها التقرير العربي 10 الذي ضم الاقتصاد، والثقافة التنموية، والابتكار التكنولوجي، واقتصاد المعرفة، والتنمية المستدامة، فالعالم العربي أمام الابتكار أو الاندثار. لقد كانت مقاومة تحرك العسكري المتقاعد في داخلي صعبة، بعد أن لاحظ غياب الفكر العسكري من منظومة الفكر العربي، فتقدمت باقتراح أشرح هنا بعض دوافعه لتضمين المؤتمرات القادمة هذا البعد من الفكر، ومنها:

- الفعل العسكري بأقصى درجات حدته هو المحرك حالياً لعملية تشكيل معاناتنا ومستقبل أبنائنا، سواء بجيوش عربية، عبر هياكل عسكرية خيرة كالتحالفات والتمارين العسكرية، أو قامت به الهياكل الشريرة الإرهابية في اليمن والعراق وسوريا وليبيا، أو من قبل هياكل عسكرية أجنبية على شكل قواعد وخبراء وقوات تدريب أو قوات احتلال متدثرة بحرب الإرهاب. ألا يستحق العسكري العربي وهو جزء من عملية التغيير الجارية أن يجد مورداً ينهل منه ليكون لدينا صن سو، كلاوفنز وليدل هارت!

- حمل أشباه مثقفي الأمة العسكر ما لا يحتمل، حتى أصبح كل جرح في الأمة هو من جراء حكم العسكر. رغم أن التعميم هو أبسط آلية يداري بها العقل البدائي فشله. فهل العسكر على حد سواء! فالعسكري الخليجي -ولن أمل من تكرارها- لم يمثل دور المذل لشعبه في يوم من الأيام ولم يقم بعسكرة المدن أو انتزاع السلطة، ومثلهم الجنرال سوار الذهب، الذي وضع السودان في قلبه ووضع بندقيته على صدره، ليرد عن السلطة جشع ضباع الأحزاب ويسلمها للحكومة المنتخبة، ومثله الجنرال الشاذلي الذي دمر لواءين إسرائيليين وسار إلى فلسطين المحتلة بلواء مغاوير فيما كانت قوات عبدالحكيم عامر تفر من أمام قوات الجنرال «إسرائيل تال» في سيناء 1967.

- الفكر العسكري جزء من الفكر العربي، والاهتمام به والرقي بنبل وإنسانية فن الحرب هو رقي بالأمة، والفكر العسكري النبيل لا يتعارض مع سيطرة الحكومات المدنية على القرار العسكري فذلك من صلب الديمقراطية، والفكر العسكري النبيل هو الذي يحول دون الانقلابات والهزائم والفساد المالي في لجان التسلح. ويظهر الجيوش كمعقل من معاقل تنمية المجتمع بما ترفد السوق من مهندسين وأطباء واستراتيجيين وإداريين، كما يبرز الوجه الحقيقي للبلدان بما تقدمه عبر قوات حفظ السلام والقبعات الزرق من أمن وطبابة وإعاشة في مناطق البؤس الإنساني.

* بالعجمي الفصيح:

لقد تساوى العسكري العربي الانقلابي من نتاج ثقافة الجيوش المهزومة والرايات المنكسة في منتصف القرن الماضي، مع جلاديه من نتاج الفساد، وبدون الرقي بالفكر العسكري لن يصير الله لهذه الأمة «استراتيجي» من أبنائها يستشرف المستقبل للقفز بها من دائرة الارتباك.

* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج