Gulf security أمن الخليج العربي

الأحد، 18 فبراير 2018

استذكار بعض ملاحم التحرير في ذكرى التحرير

استذكار بعض ملاحم التحرير في ذكرى التحرير
  د. ظافر محمد العجمي

لأن القيمة الفعلية للمعرفة التاريخية هي في تحويلها إلى رؤى مستقبلية، ولضرورة خلق البطل الذي تنظر إليه الأجيال كملهم وقدوة لها، وجدنا أن يوم تحرير الكويت هو أكثر من مجرد يوم تنشر فيه صور باهته لمدافع وطائرات غربية غريبة. يوم تحرير الكويت هو لاستذكار أعمال هؤلاء الابطال، والبطل المقصود هنا ليس بالضرورة جندي أو ضابط بل قد يكون سرية أوكتيبة أولواء كان له الدور المشرف في تحرير الكويت من الغزاة. ومن مصادرها البكر، من أوراق رجال علقت بثيابهم رائحة البارود في تلك الأيام الباردة الممطرة، نقتطف أوراقاً من صفحات مشرقة تضم أيام الاستعداد وفتح الثغرات في الساتر الترابي حتى رفع علم دولة الكويت بيد أبنائها في ساحة العلم يوم الأربعاء 27 فبراير 1991م.  وكان لابد من تجاوز مأساوية اللحظة الراهنة وإعادة شاملة للهيكل التنظيمى للقوات بما يتلاءم مع الوضع الجديد المتمثل في قلة الرجال والسلاح. وقد استقر الرأي علي انشاء ألوية برية جديدة على الجبهة. وقد تطلب بناء تلك الألوية فتح باب التطوع لشباب الكويت في مراكز عدة منها مركز في حفر الباطن في مدينة الملك خالد العسكرية في المملكة العربية السعودية، ومركز في الدمام ومركز في الملز في الرياض ومركز في البحرين ومركز في الدوحة في قطر ومركز في أبوظبي ومركز في مسقط ومركز في القاهرة في جمهورية مصر العربية.  وقد تم تشكيل ستة ألوية منها لواءان آليان هما اللواء 35 واللواء 15 بينما ظلت الأربع ألوية مشاة، وجرى بعد ذلك تقسيم الألوية على قطاعين بحيث ترسل الي القطاع الشرقي 3 ألوية بينما تظل 3 ألوية في القطاع الشمالي.

 
في منطقة تسمى (خسارة) تجاوزنا اليأس

وقد يعتقد البعض أن اسم درع الصحراء Desert Shield وعاصفة الصحراء Desert Storm  أسماء كانت تبعث البهجة في قلب كل كويتي لما ارتبط بهما من عمليات أدت في نهايتها الى طرد الغزاة العراقيين من الكويت1991م، لكن الحقيقة خلاف ذلك، فعندما تم الاعلان في أغسطس 1990م عن التزام الولايات المتحدة الامريكية بالدفاع عن المملكة العربية السعودية ضد الغزوالعراقي الوشيك، وتسمية الحشد الابتدائي بعملية درع الصحراء Storm Desert عصر الحزن قلوبنا وقلب كل عسكري كويتي كان لا يزال يرتدي لباسه العسكري منذ أن خرج من الكويت. وكان السبب هوارتفاع وتيرة الدعوة للدفاع عن المملكة العربية السعودية دون أن ترد كلمة واحدة تخص تحرير الكويت اطلاقا، حتى اعتقدنا أن عملية درع الصحراء Desert Shield لن تتعدى حشد أمريكي يوقف صدام في النويصيب ثم يرحل ذلك الحشد بعد أخذ تعهد من العراق بعدم اجتياح أراضي المملكة العربية السعودية.

ولم يكن أمام الجندي الكويتي من حيلة لاجتياز كثبان الألم واليأس التي تساوت مع رمال الصحراء الواسعة، الا بالتضرع الى الله طلبا للفرج ثم الانصراف الى التدريب. ولأن كل قطرة عرق تبذل في الميدان تساوي قطرة دم في المعركة فقد شملت برامج التدريب للمتطوعين دورة مشاة للضباط وصف الضباط والمجندين ليتم الحاقهم بالألوية الجديدة التي تم انشاؤها. وفي نوفمبر 1990 قامت بعض من وحدات القوة الكويتية بمغادرة قاعدة الملك خالد بالحفر الى منطقة تسمي (خسارة) لعدة أسباب منها الازدحام الشديد في القاعدة، والحاجة الي اجراء تدريبات خارج المعسكرات بعيداً عن القيود. كما أن منطقة خسارة كانت منطقة صحراوية خالية تبعد عن القاعدة 30 كم باتجاه الكويت، وهي منطقة مناسبة كتجمع أمامي. وظلت موحشة حتى وصلت اليها فيما بعد القوات المصرية والسورية وبعض القوات السعودية، كذلك كانت (خسارة) منطقة تجمع وتنسيق مع القوات الأخرى وقد ظلت القوات الكويتية بها 15 يوماً قبل الانتقال الى منطقة الحماطيات الموجودة على الحدود السعودية، وكانت تلك الفترة هي فترة الحيرة والضبابية حيال استشراف المستقبل أضف لذلك اسم المنطقة الذي يهبط المعنويات، ولو كان الأمر بيد رجالنا لحولوا الاسم من 'خسارة' إلى 'نصر'.
ومما تجدر الإشارة اليه أن القلق واستعجال تحرير الكويت كان شعورا متساويا بين كل الكويتيين فسموالأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح رحمه الله كان يتألم أشد الألم عندما تصل اليه أخبار الفظائع التي كان يرتكبها العراقيون في الكويت، ويتحرق شوقاً الى اليوم الذي تندفع فيه قوات الحلفاء لطرد الغزاة، ومن ذلك استعجاله تشكيل قوات التحرير، وقد أفضى بمشاعره تجاه أبنائه الصامدين والمقاومين في الكويت عندما خاطب قائد القوات العربية الفريق الركن خالد بن سلطان قائلاً: 'متى ستحررون الكويت'. وقد قال في احدى خطبه للكويتيين في داخل الكويت وخارجها وهويحثهم على الصبر والصمود ويعدهم بالنصر: 'إذا كان العدوان قد تمكن من احتلال أرضنا، فانه لن يتمكن أبداً من احتلال عقولنا وعزيمتنا، واذا كان المعتدون قد استولوا على مرافقنا ومؤسساتنا العامة، فانهم لن يستطيعوا أبداً الاستيلاء على إرادتنا'.

قال تعالى: ' اِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ اِلاَّ القَوْمُ الكَافِرُونَ ' يوسف:87 وكما أدى اسم عملية من كلمتين هما درع الصحراء الى بث اليأس في قلوبنا فقد أحيا الله الأمل في قلوبنا من اسم آخر، وكان الاسم هو »القوات الخاصة الكويتية« بقيادة العقيد الركن عبدالله الشامري واخوانه الأبطال من أبناء الكويت. فقد كان اللواء جابر الخالد على معرفة بقائد القوات الخاصة الامريكية العقيد الأمريكي جيسي جاكسون. JACKSON  JESSE حيث كانا يدرسان معاً في كلية الأركان في الولايات المتحدة الامريكية منذ عام 1970م، وتم الاتفاق بناء على تلك المودة على مشاريع تدريبية مختلفة، منها تدريب مجموعة من القوات الخاصة بقيادة العقيد ركن عبدالله الشامري حيث تم اجراء مشاريع قتال مدن مع القوات الخاصة، نشرت صورها في معظم الصحف العربية في حينه مما أدى الى تحسن واضح في نفوس العسكريين الكويتيين، لأن تدريب القوات الخاصة الكويتية يعني أمرا واحدا وهو اعدادها لاسترجاع الكويت.

وانكشفت الغمة عن أعين العسكريين بعد أن زار القوة الكويتية الأمير الراحل الشيخ سعد العبد الله الصباح رحمه الله، حيث ارتفعت معنوياتهم وعاهدوه على استرجاع الكويت او الموت دونها، كما زار القوة الكويتية صاحب السمو الملكي الامير خالد بن سلطان قائد القوات المشتركة وشاهد تدريبات اقتحام المواقع. . وفي ذلك يتذكر قائد القوات العربية الفريق الركن خالد بن سلطان ماقاله له الشيخ سعد وهو يشد على يده : 'أريدك أن تعدني بأن يكون الجنود الكويتيين في الخط الأول عندما يحين الوقت لتحرير الكويت'.

كما ارتفعت المعنويات من خلال اجراءات تدل على واقع جديد وأمل جديد، وقد تم الاقتناع بذلك بعد بداية التدريب مع الحلفاء وخاصة الأمريكان بتوسع تزامن مع وصول بعض الأسلحة حيث تغيرت الحالة النفسية للعسكريين الكويتيين. لقد كان للجانب الأمريكي دور في زيادة الجرعة التدريبية في مجالات تدريب المشاة والدروع والقوات الخاصة والطيران والرماية ووسلاح البحرية، كذلك ركز الجانب الأمريكي على تدريب رجالنا على الدفاع الكيماوي وطرق التعامل مع الأسرى، والقتال المتلاحم، وطرق تمرير المعلومات، والأسلحة الخفيفة، واللياقة البدنية، وأسلوب التعارف والتمييز، كما تم ارسال مجموعة من عسكريي الاسناد الجوي للالتحاق بالألوية البرية على مستوى كتائب للاتصال مع القوة الجوية الأمريكية. 

يوم 24 فبراير 1991م

يقول قائد القوات العربية المشتركة: تم تحديد يوم 24 فبراير 1991م تاريخا لبدء الحرب البرية بناء على عدة عوامل منه بيانات الأرصاد الجوية التي كانت تشير الى ملاءمة الأحوال الجوية في تلك الفترة لتنفيذ أعمال قتالية 'وهنا يجدر بنا أن نتوقف أمام الأحوال الجوية الرائعة التي ذكرها الفريق أول الركن خالد بن سلطان، فقد بدأت ساعة الصفر في الرابعة من صباح يوم 24 فبراير 1991م بهجوم قوات المارينز 1st MRDIV في القطاع الشرقي، تحت أمطار شديدة لم تشهدها المنطقة من قبل محملة بالزيت يصاحبها رياح باردة جدا، ودخان كثيف من آبار النفط المشتعلة، تلهث في وجوه رجال حتم عليهم الخوف من الحرب الكيماوية العراقية ارتداء ملابس ثقيلة جدا ووضع كمامات تنفس تعيق الرؤية والحركة. حيث كان عليها اجتياز حزامين دفاعيين بعمق 5-10 كم داخل الكويت والآخر على بعد 20كم، وكان كل حزام يتكون من نقاط دفاعية حصينة خلف موانع قوية من الأسلاك الشائكة والخنادق المضادة للدبابات والخنادق المملوءة بالبترول وحقول الألغام باختصار لقد دخلت العبقرية الانسانية في ذلك النهار في خدمة سيد خبيث.

بالية كل التصورات التي تصف الحرب هجوما جريئا ومسيرا ظافرا ومآثر بطولية للجنود والضباط، فذلك وصف لايكتبه الا مؤلف بليد من على طاولة لامعة. فقد انطلقت القوات الكويتية من قاطعها على شكل مجموعتي قتال Battle Group في الأمام ومجموعتي قتال في الخلف. وكانت المجموعتان اللتان في الأمام هما كتيبة المشاة الآلية الثانية الكويتية بقيادة المقدم الركن حمد حسن الرشيدي من ناحية اليمين، وعلى يسارها كتيبة المشاة الآلية الثانية السعودية بقيادة العقيد غازي العتيبي. أما مجموعتا القتال الأخريين فكانتا كتيبة المشاة الآلية الثانية الكويتية بقيادة المقدم الركن علي الملا وكتيبة الدبابات السابعة الكويتية بقيادة المقدم الركن أحمد الوزان، يساعده النقيب ناصر الدويله.
الاستطلاع بالقوة force by Reconnaissance هوعمل أو مجموعة أعمال قتالية تنفذ في الأوضاع الهجومية والدفاعية بهدف الحصول على معلومات هامة عن العدو رغم انفه15، وقد تم في البداية دفع فصيل من سرية الدبابات الثانية يقوده الملازم فهد مفلح المطيري ليقوم بالتماس مع العدو بغية التعرف على نواياه دون ارادته، كانت المدفعية العراقية تهدر من وراء الغيوم. حيث وصل الى الطريق العام وعبر الطريق قرب الحفر البترولية، دون أن يحاول العدوالتصدي له، فرجع قبل بدء الهجوم بعد أن توغل مسافة 6 كم أمام المواقع العراقية. كما كانت عملية فتح الثغرات في لهيب المعركة وتحت القصف المدفعي العراقي المتواصل معركة بحد ذاتها، كنا نسمع أنين الأرض وهي تهتز اهتزازات خافتة، وبعد تراجع جنود صدام كان الجميع يرقب المدفعية العراقية وهي عدونا الأول وكانت لا تزال ترسل ومضات خاطفة، ورغم ذلك، تمكنت سرية الهندسة التابعة للواء الشهيد بقيادة النقيب مرزوق الخليفة من عمل ثغرتين لكل كتيبة أمامية في الساتر الترابي. 
كان تحرك القوات الكويتية يعني تحرك الوحدات الأخرى، حيث كان على يسار لواء الشهيد 35 الكويتي مجموعة لواء الملك عبدا لعزيز السعودي ثم القوات المصرية، وكان في الخلف مجموعة لواء الملك خالد الرابع ومن ثم لواء التحرير الكويتي وخلفه القوات السورية، وكانت جميع التحركات يرتبط بعضها ببعض تلافيا لحدوث فجوة اذا ما اندفعت قوة الى الأمام وتأخرت أخرى.
بعد عبور الحاجز الرملي أبلغ قائد كتيبة المشاة الآلية الثانية السعودية أنه قد اشتبك مع العدووأن لديه نحو22 أسيرا عراقيا. وبهذا لاحت تباشير النصر فقد كان هذا الاستسلام مع أول اشتباك دليلا على ما كان متوقعا من انهيار معنويات العدو. وفي الوقت نفسه أبلغت كتيبة المشاة الآلية الثانية الكويتية أن لديها خمسين أسيرا عراقيا. 

عندما منع خط بارليف بألغامه وقنوات النار وبكثبان الغطرسة العالية فيه المصريين من الوصول الى سيناء العزيزة على قلوبهم في حرب أكتوبر 1973م، تصدى لهذه المعاضل المجتمعة شباب هندسة الميدان، وكانت مدافع المياه اختراع مذهل أذاب مع الرمال هيبة الجيش الاسرائيلي في اقل من6 ساعات، وأمام حقول الألغام العراقية التي اكتسبوا فن زرعها من الحرب مع ايران، جاء الحل لفتحها على يد رجال هندسة الميدان المصريين أيضا، وذلك عن طريق اطلاق صاروخ متفجرات يسمى »القاذف الأفعواني« من صناعة مهندسي الميدان المصريين الأبطال، وقد تمكن فريق هندسة الميدان السعودي التابع لمجموعة لواء الملك خالد الرابع والملحق على كتيبة المشاة الآلية الثانية السعودية من فتح الثغرة بالقاذف المصري، ونجحت الكتيبة في اجتياز الثغرة بسهولة. وقد حدث ما لم يكن في الحسبان حينما أطلق قسم الهندسة الملحق بكتيبة المشاة الآلية الثانية الكويتية بقيادة العقيد حمد الرشيدي صاروخ المتفجرات لفتح الثغرة في حقول الألغام المواجهة لها، اذ لم يتفجر هذا الصاروخ لعطل فني فيه.   وكانت لحظات شديدة الحرج، وخاصة بعد أن نجح الجانب الأيسر من القوة في فتح الثغرة واجتيازها، بينما لم يحدث هذا في الجانب الأيمن مما اضطر سرية الهندسة الكويتية لأن تعمل على فتح الثغرة يدويا. ، وكان ذلك أمرا صعبا في مثل هذه الظروف التي تتطلب فتح الثغرة بسرعة كبيرة، وقد زاد من خطورة الموقف أن تعرضت كتيبة المشاة الآلية الثانية الكويتية لقصف مدفعي كثيف من قوات العدو، مما جعل آمر الكتيبة يطلب الى آمر اللواء رماية قوات العدوواسكاتها. وقد قامت كتيبة المدفعية 51 التابعة للواء الشهيد بقيادة الرائد نبيل عيسى الصفي بالمهمة على خير وجه، وأمكن لأفراد الهندسة الكويتية أن يتابعوا عملهم اليدوي لفتح الثغرة، وقد ساعد على انقاذ الموقف أيضا وجود دخان كثيف من الآبار المحترقة بالاضافة الى حلول ظلام الليل، وقد توقف أفراد الهندسة عن العمل في فتح الثغرة بعد أن فتحوا من الساتر ثغرة يبلغ طولها نحو ثلاثين مترا يدويا، وفي الساعة العاشرة ليلا أحضر صاروخ متفجرات آخر وأطلق ليلا وتم فتح الثغرة ليلا حتى تكون الظروف مهيأة لانطلاق القوات مع أول ضوء لاجتياز حقل الألغام من خلال هذه الثغرة واتاحة الفرصة لكتيبة المشاة الآلية الثانية الكويتية لاجتيازه.

قصف متبادل
وفي مكان آخر، ارتج رشاش عراقي وكأنما تملكته ضراوة شيطانية وراح يرش الرصاص ويكتم الأنفاس بدخان لافع، وكان صوت أزيز الرصاص مثل أسواط النار في الفضاء، وأعلن الرائد محمد مزعل الشمري عن صعوبة تقدم قواته من كتيبة المشاة الثالثة بسبب الرشاش واشتعال النيران في الحفر البترولية التي كانت تمثل المانع الثاني بعد حقل الألغام، لكن مطر فبراير المدرار في ذلك العام تكفل باطفاء معظمها، كما تم القضاء على نيران الرشاش. ونشير هنا إلى أن حقول الألغام والخنادق النارية تم وضعها ليس لمنع القوات من المرور بل يقصد منه ايقاف تلك القوات لفترة معينة حتى تكون صيداً سهلاً للمدفعية، وهذا ماحدث في ساعات العبور الأولى حيث بدأت في الساعة 16.00 أول محاولات العدوقصف القوات المتقدمة بعد أن دخلت في مدى مدافعه.واستمر القصف المتبادل طوال الليل وحتى الصباح، مع استمرار المهندسين في فتح الثغرات في حقول الألغام. وفي الساعة 23.00 أعلن راديودولة الكويت الحرة أن لواء الشهيد صار على مشارف مدينة الجهراء وهلل الشعب الكويتي في كل أنحاء العالم. 

لقد كان اليوم الأول من الحرب البرية لوحة سريالية عبثية التكوين، فرغم مرور مايقارب العقدين الا ان بعض المناظر لا تزال موشومة في الذاكرة، حيث شاهدت مع قوات الصدمة من الفرقة الثانية التابعة لمشاة البحرية الامريكية 2nd MRDIV وميض المدفعية العراقية وعيون فتى أمريكي لاتيني شاخصة بها، حيث وقف متجمدا من الهلع لأكثر من ساعة، وآخر يحفر خندقا بعد كل 500 متر، وثالث يرتدي الكمام لأيام عدة ويحمل قفص عصافير صغيرة كانت كما يقول وسيلة الانذار الحقة فموتها يعني وجود قصف كيماوي.

يوم 25 فبراير 1991م

كان اللغط الصباحي المعتاد بين كافة البشر عند تجمعهم معدوما صباح اليوم الثاني من شدة اعياء الرجال، وقد كانت معارك اليوم الثاني من الحرب البرية تشبه الى حد كبير معارك خنادق ووحول الحرب العالمية الأولى.الا ان وحول حرب تحرير الكويت كانت اخطر بكثير، فلكم ان تتصوروا القذائف وهي تتساقط، وجنازير الدبابات وهي تقدح شررا على ارض مشبعة بالأمطار النفطية سريعة الاشتعال، لقد كان يوما مظلما بفعل الغيوم النفطية والدخان مما أربك الدورة البيولوجية للكائنات الحية، حيث شاهدنا العصافير وهي تعود لأعشاشها بعد هبوط الظلام الدامس بعد ساعات قليلة من طلوع الفجر.

وفي يوم الاثنين الموافق 25 فبراير استمر تركز القصف المدفعي العراقي على قوات المهندسين وكتائب المشاة الأمامية.فما كان من القوات الكويتية الا أن طلبت من القوات السورية الشقيقة البطلة أن تحدد مواقع مدفعية العدو لإسكاتها، ويتم الحصول على مواقعها لكنها كانت أبعد من مدى المدفعية الكويتية.ويستمر القصف المدفعي العراقي شديدا ويسفر عن اصابة مدرعة النقيب فهد الشويع ضابط الرصد مع كتيبة المشاة الثانية بأضرار. ويسقط أول شهيد في المعركة من الجيش الكويتي في الساعة 8.15 من صباح يوم العيد الوطني وهوالشهيد وكيل العريف منور الظفيري، كما أصيب اثنان من رفاقه الآخرين. 

ولا يمكن أن نتذكر ذلك اليوم دون أن نشير الى موقف اخواننا من الجيش السعودي، فقد اعترض طريق القوات الكويتية/ السعودية حقل الغام غير مؤشر على الأرض، فقام رجال هندسة الميدان السعوديين من اللواء الرابع بعملهم حيث كانوا يؤشرون الثغرة بزوايا الحديد وأشرطة بيضاء، مما جعل القصف يتركز عليهم وقد سقط منهم شهداء وجرحى، لكن احد الابطال السعوديين نجح بمدرعته في اقتحام الحقل وحمل الشهداء والجرحى، مما خلق روح تنافس فورية بين المهندسين الابطال حيث استمر البقية في عملهم مصممين على انجاز مهمتهم تحت القصف بأي ثمن، وكان أن تعرض الرقيب البطل يحيى أحمد البارقي من سلاح المهندسين السعوديين الى حروق شديدة وفقد كلتا عينيه ويديه. ثم زادت وتيرة التنافس بين الأبطال بشكل غريب وسرت العدوى لتصل الى الكويتيين أمام نفس حقل الألغام الذي يمنعهم من الوصول الى أحضان أمهم الكويت، فقد تعطلت دبابة من دبابات الكتيبة الثامنة التي تحمي المهندسين أمام الثغرة وتركز القصف المدفعي عليها ونزل طاقمها تحتها لتجنب القصف وهم الرقيب أول مشرف علي العنزي والعريف خلف محسن علي والعريف اسماعيل علي عيسى، وماهي الا لحظات حتى اندفع النقيب ناصر الدويلة بآليته نحوهم، لكنهم رفضوا الركوب معه وترك دبابتهم في الميدان، مفضلين حماية رفاقهم المهندسين بمدفع دبابة لاتستطيع الحركة تحت رحمة المدفعية العراقية الجبارة، وقد استمر رفضهم حتى تم اجبارهم بعد ساعات على ترك الدبابة مما جعل الرقيب أول مشرف يبكي بكاء مراً على تركه دبابته التي عمل عليها طول سبعة أشهر، حيث كان يتمنى أن يدخل بها الى عاصمة الكويت المحررة.
في ذلك اليوم تقدمت القوات الخليجية في القاطع الشرقي بقيادة اللواء سلطان عادي المطيري تقدما سريعا ومعه القوات السعودية والكويتية (لواء الفتح) والقطرية والاماراتية والعمانية والبحرينية. حيث اندفعوا على الطريق الساحلي بقوة وشجاعة تثير الاعجاب.لينتهي ذلك اليوم باعلان العقيد سالم مسعود في الساعة الثامنة مساء أنه عبر مع قيادة لواء الشهيد الى ارض الكويت، لكن مع أمر بتوقف الهجوم بسبب تأخر بعض القوات العربية ليسود الجبهة قصف متقطع طوال الليل وظلام دامس يمنع أي تحرك.

يوم 26 فبراير 1991م

في صباح يوم الثلاثاء 26 فبراير 1991 تقدمت أفواج من الفرقة 16 مشاة عراقية نحوقواتنا في قاطع الفرقة 30 للاستسلام.ونجح وكيل العريف ساير الحربي سائق المقدم أحمد الوزان من أسر العقيد محمد النامس آمر اللواء 508 من الفرقة 16 من الفيلق الرابع.
كما نجحت القوات الكويتية في تدمير كل المواقع العراقية أمامها تحت قصف مدفعي مركز وظروف رؤية ضعيفة بسبب المطر والضباب والدخان. وفي الساعة 9.00 نجح لواء الشهيد المدرع 35 في أن يحتل عمق الفيلق الرابع ويأسر ضباطا وجنودا من الفرقة 21 مشاة التي في العمق, ويدمر كل المواقع العراقية والتحصينات ويصل الى الأرض المفتوحة الخالية من الموانع خلف الخط الدفاعي العراقي الرئيسي. إلا أن ماتبقى من الفيلق الثالث العراقي قد تراجع الى مدينة الكويت بشكل فوضوي واشترك مع قوات الاحتلال الموجودة بالمدينة في عمليات السلب والنهب. 
من أصعب الأمور عندما تكون في رحلة أن تصل الى هدفك نفسيا دون أن تصل بدنيا، وهذا ما حصل بالضبط لرجالنا، حيث انقشع الضباب الكثيف الذي لف ذلك اليوم، وتنفس جنود الكويت الصعداء فرحا بالاقتراب من مدينة الكويت كطفل يقترب من دكان الحلويات، وفجأة وردت برقية عاجلة من آمر سرية الدبابات الثالثة النقيب عبدالله حمود الشمري تفيد بأن قوات العدوتلتف حول مؤخرة سريته حيث يشاهد أعدادا من الدبابات والمدرعات العراقية خلف قواته.
اصدر آمر الكتيبة السابعة المقدم أحمد الوزان أوامره فقامت الكتيبة بمناورة خطرة جدا ولكنها كانت ضرورية لمواجهة العدو من خلفهم، وتقدم قائد الكتيبة لاستطلاع العدو وفقا لاجراءات الاشتباك السريع في خطة تتحرك بموجبها سرية الدبابات الأولى أمام يمين، وسرية الدبابات الثالثة أمام يسار، وسرية المشاة الثالثة في الخلف. وبدأت قواتنا في الهجوم, وكان هجوما مروعا بالنسبة الى أفراد العدو الذي لم يكن في وضع قتال بل كانت قواته عبارة عن شتات قوات لم تكن مستعدة لمواجهة هجوم كاسح من دبابات الكتيبة السابعة. وبمجرد أن بدأت الدبابات في تدمير الأهداف التي أمامها حتى اكتشف قادة السرايا الكويتية أن قوات العدو لا تقاوم. وقال جندي عراقي بصوت وحشي غريب اقرب الى عويل وحش جريح »إنهم يطوقوننا ياحضرة الضابط« انهم »كويتيين سيدي « ووضع يديه على وجهه وجلس على الأرض. وأمر المقدم أحمد الوزان بوقف اطلاق النار مع استمرار الاقتحام، وقد اقتحم المشاة الكويتيون المواقع العراقية وجمعوا الأسرى والجرحى وانتهت المعركة بأسرع مما بدأت.

وتجمع الجنود الكويتيون في صفين كأجدادهم يقومون بالعرضة النجدية بأسلحتهم وهم يغنون قصائد الحرب، وفي الوقت نفسه كان الرعب يعقد السنة الناجين العراقيين من هجوم الدبابات الكويتية، خصوصا بعدما علموا بأن هذا الجيش المدرع هو الجيش الكويتي حيث خيم عليهم الذهول والاحباط بسبب الخوف من الانتقام، وان رقص الكويتيين للعرضة البدوية هي مقدمة لمراسيم ابادتهم. وفجأة وصلت سرية الامداد ووصلت وجبة الغداء الساخنة وكانت عرضة الجنود الكويتيين قد أشبعتهم، فتم توزيع الغداء على الجنود العراقيين، وبين الخوف والحيرة من هذا التصرف أخذ الكثير منهم يبكون ويقبلون أيدي الجنود الكويتيين الذين كانوا يقدمون لهم الطعام، بل ان الدكتور مسعود راشد بدأ يعتني بجرحاهم بصورة لم يصدقوها.

اجتياز خط الابرق

تم بعد ذلك اعادة التجمع وعند الظهيرة كانت القوات الكويتية تجتاز خط الأبرق-الدواجن بنظام الأرتال المزدوجة لكل كتيبة والدبابات تقود الهجوم، حيث عبرت بعد ساعة طريق السالمي مقابل معسكر ذخيرة ام الروس. وفي معسكر الشهيد تم اسر عدد من جنود العدو، وفي الوقت نفسه انفجرت قنبلة عنقودية في دبابة النقيب صالح سعد الديحاني من الكتيبة الثامنة، كما تم دفع فصيل دبابات بقيادة الملازم فيصل المخيال لأم الروس، وعندما شارفت طلائع المقدمة على منطقة أرحية الصحراوية صدر أمر بوقف التقدم نحومدينة الكويت وارجاع القوات المتقدمة الى منطقة السادة قرب اللواء 35 فصعق الجميع، وكانت تلك أوامر شوارزكوف .

يوم 27 فبراير 1991م


وفي الأربعاء 27 أكتوبر 1991 تم تخصيص الطريق الدائري الخامس كحدود فاصلة بين القوات الكويتية والقوات المصرية والحد الأمامي لقوات الفيلق العربي طريق المطار على أن يكون مابعد ذلك لقوات الجبهة الشرقية، وهي قوات اللواء السعودي سلطان بن عادي المطيري ومعهم الألوية الكويتية الفتح بقيادة العقيد فؤاد حداد الأيوبي والحق بقيادة العقيد ابراهيم الوسمي وبدر بقيادة العقيد عبدالهادي الراجحي والخلود بقيادة عبدالوهاب العنزي. 
تقدمت كتيبة المقدم حمد الرشيدي ومعه النقيب حامد السنافي عبر الطريق الدائري السادس وفي أمغرة واجهت مقاومة عراقية بسيطة تم تدميرها. وعند المقبرة الجعفرية ظهرت مقاومة للعد سرعان ما تم تدميرها أيضا دون أن تؤثر في التقدم. وفي تمام الساعة الثامنة صباح يوم الأربعاء 27 فبراير وعند تقاطع اشارة الصليبية مع الفردوس استقبلت جموع المواطنين القوات المتقدمة.

رفع علم دولة الكويت في ساحة العلم

لقد قيل 'الهزيمة يتيمة وللنصر ألف أب' وحتى لا نتجاوز خط الموضوعية في شأن من رفع بيرق الكويت في ساحة العلم نشير الى أن القوة البحرية الكويتية قد نجحت في رفع علم الكويت على جزيرة قاروه منذ منتصف فبراير 1991م، كما رفع قائد القوات الكويتية اللواء جابر الخالد الصباح علم الكويت على مخفر النويصيب قبل الحرب البرية بيومين، حين استطاعت احدى وحدات القوات المشتركة من احتلال المركز وهي في مهمة استطلاع بالقوة. »30«. لذا سوف نورد كافة الروايات المكتوبة حيال موضوع رفع العلم. حيث يقول محمد الهاشم. »31«. في كتابه 'يوم الفداء الكويتي' الصادر أكتوبر 1991م »تقدمت القوات الكويتية الى داخل المدينة لترفع العلم الكويتي على ساريته في قلب العاصمة بعد مضي 72 ساعة على بدء مرحلة الحسم في حرب تحرير الكويت في الساعة التاسعة يوم الثلاثاء 26 فبراير1991م«.
أما سالم مسعود آمر اللواء 35 فلا يشير في كتابه الصادر 2007م32الى قضية رفع العلم لكنه يقول في مقابلة له مع صابر السويدان وظافرالعجمي في تاريخ الجيش الكويتي 1999م. »33«. طلب تشكيل قوة واجب بحجم سرية برئاسة المقدم حمد الرشيدي للالتحاق بالوحدات الأخرى من الجيش الكويتي للمشاركة في الأمن الداخلي.
أما ناصر فهد الدويلة. فيقول في كتابه الصادر 2007م 'في عصر ذلك اليوم حضر المقدم علي الفارسي وأبلغ المقدم حمد بالاجتماع مع قيادة المقاومة في الداخل، وحضر اللقاء معه النقيب حامد السنافي وقد اتصل اللواء خالد بودي بواسطة جهاز عبر الأقمار الصناعية بالشيخ سعد في الطائف وأبلغه بوصول أول ضابط كويتي يدخل المدينة من لواء الشهيد المدرع 35 بكتيبة المشاة الآلية الثانية. وقال خالد بودي للشيخ سعد »في هذه اللحظة التقت المقاومة والجيش« بعدها تحرك المقدم حمد الرشيدي والنقيب حامد السنافي تحيط به مجموعة من الضباط والأهالي من ضاحية كيفان نحوساحة العلم وتقدموا بخطوات المنتصر ليرفعوا علم الكويت في ساحة العلم يوم الأربعاء 27 فبراير 1991م. 

على الحدود الفاصلة بين تاريخين مختلفين نقف لنقول ان تحرير دولة الكويت قد تم في يوم 26 فبراير 1991م أي قبل رفع العلم بـ22 ساعة حيث قال صدام حسين ليلة 25/26 فبراير وبالحرف الواحد »لقد حان الوقت لاعادة الكويت الى حالتها الأولى« حيث بدأ الهروب الكبير للقوات العراقية من داخل الأراضي الكويتية تاركة أسلحتها ومعداتها.

ليست هناك تعليقات:

Gulf seurity أمن الخليج العربي

Kuwait
تبين هذه المدونة كيف تمتع الخليج بأهمية كبيرة أدت إلى خلق عبء استراتيجي على أهله بصورة ظهرت فيها الجغرافيا وهي تثقل كاهل التاريخ وهي مدونة لاستشراف مستقبل الأمن في الخليج العربي The strategic importance of the Gulf region creates a strategic burden and show a good example of Geography as burden on history. This blog well examine this and forecast the Gulf's near future and events in its Iraq, Iran ,Saudi Arabia ,Kuwait, Bahrain ,Qatar, United Arab Emirates and Oman

أرشيف المدونة الإلكترونية