من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته، كلمات نقولها موزونة ومسجوعة لنذكِّر بها نفسنا، ولنخفف بها ألم الشعور بالفرقة الخليجية الراهنة. فحتى وقت قريب كنا نطالب بتقريب شكل مجلس التعاون من هيكل الاتحاد الأوروبي. واليوم سنحاول أن نجعل من ذلك الهيكل القدوة مثالاً نعزي به أنفسنا، حيث يعاني من تحديات أسوأ مما يعانيه مجلس التعاون ومنها:

- لم يفق من صدمة البريكست البريطانية، ولا يمكن أن تتم عملية الانسحاب بشكل منظم وسلس. فالمخاوف تنبع مما يسمى سقوط قطع الدومينو والدعوات ببعض دول الاتحاد لإجراء استفتاءات مشابهة للبريطاني كبداية لتفتت الاتحاد الأوروبي، ولم يصل الخلاف لحصص الأسواق وتنقل المواطنين، بل لاعبي كرة القدم حيث ستفقد بريطانيا الانتقال الحر للمواهب وفقدان نجوم كبار.

- معالجة آثار أزمة ديون منطقة اليورو وهي أزمة تواجه العديد من الدول الأعضاء كاليونان والبرتغال وأيرلندا وإسبانيا وقبرص، حيث لم تتمكن من تسديد ديونها الحكومية أو إعادة تمويلها أو إنقاذ بنوكها المحلية دون وجود مساعدة من بلدان منطقة اليورو أو البنك المركزي الأوروبي أو البنك الدولي صندوق النقد الدولي.

- التراجع الاقتصادي في بعض دوله، فهناك أزمة الاقتصاد البرتغالي، وأزمة الاقتصاد الإسباني، وأزمة الاقتصاد الإيطالي. بل إن قضية تفكك الاتحاد الأوروبي باتت مطروحة عند الألمان، فألمانيا تتحمل مسؤولية دعم دول الاتحاد وتدفع أموالاً طائلة لمعالجة كل الأزمات الاقتصادية التي تعانيها دول الاتحاد، ولذلك تنادي شريحة من المفكرين الاقتصاديين الألمان بتفكيك الاتحاد الأوروبي.

- التعامل مع التحديات الشعبوية، حيث ظهرت أزمات الهوية القومية وتآكل القيم الوطنية التقليدية، مع شعور المواطن الأوروبي بتراجع الإحساس بالأمن لكثرة المهاجرين واللاجئين، وصار أكثر قناعة بأن المنظومات السياسية كالاتحاد الأوروبي قد خذلته، فانتعشت برامج اليمين الشعبوي التي صيغت بشكل يضمن التأييد الشعبي من قبل الشرائح المهمشة في المجتمع، الذين يشعرون بالخوف على مستقبل أبنائهم، وما كادت تنحصر حتى عادت بقوة عبر «الأطلسي» بعد نجاح ترامب، فالرجل وآلته الانتخابية استخدموا وسائل شعبوية، دغدغت في شكل أساسي مخاوف الطبقات الدنيا ضد المهاجرين.

- تهديد الإرهاب ويظهره تقرير المفوضية الأوروبية السنوي كتحدٍّ كبير للاتحاد الأوروبي، حيث تضمن مجموعة من التدابير التشغيلية والعملية لتحسين حماية المواطنين في الاتحاد الأوروبي ضد التهديدات الإرهابية، مما يدل على وجود مخاطر إرهابية لا يرى التقرير من نجاح حاسم في إيقافها لكن على الأقل في جعل مهمة الإرهابيين صعبة، والعمل على وقف بعض الهجمات.

* بالعجمي الفصيح:

في زمن مضى كنا نتهم من يريد من مجلس التعاون أن يصبح كالاتحاد الأوروبي بممارسة الاستدعاء الخاطئ لمثال مختلف، ونعتبر مقارنة الهيكلين مقاربة انتقائية فجة، أما اليوم فنطلب مقارنة التحديات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي بالأزمة الخليجية لتروا أن العلَّة هناك تَكْمُن في النصوص وهنا في النفوس.

* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج