Gulf security أمن الخليج العربي

الجمعة، 10 نوفمبر 2017

كابوس خليجي من قطع حدود تركيا مع العرب بحزام كردي يكون قاعدة غربية صديقة لإسرائيل

كابوس خليجي من قطع حدود تركيا مع العرب بحزام كردي يكون قاعدة غربية صديقة لإسرائيل

د.ظافر محمد العجمي

بعد مضي ثلاث سنوات على سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على الموصل ومناطق شاسعة أخرى؛ تحرر العراق من براثن هذا التنظيم بعد موجة عنف ودمار هي الأقوى منذ عقود. ولم يتبق لداعش من قوة إلا جيوب صغيرة تعد وفق المعطيات ساقطة عسكريًا بعد وقوعها في أكثر من مثلث معادي. ورغم دحر داعش عسكريًا، لم يعد العراق كما كان، فقد تم دحر التنظيم عسكريًا لكن أسباب انتصار التنظيم قبل سنوات لازالت قائمة في بغداد كعدم كفاءة السياسيين، وتشتت البلاد طائفيًا وعرقيًا، وتعمق الفساد في مؤسسات البلاد.  ويذهب محللون إلى أنه بعد طرد داعش، على بغداد أن تواجه المسائل التي فشلت في معالجتها لسنوات ولا تزال تمثل مصادر للتوتر وهي: اللامركزية، ووجود القوات الأجنبية في الشمال، ووضع الأراضي المتنازع عليها مثل كركوك، بين الأكراد والحكومة المركزية. وتتطابق هذه القضايا العالقة مع الرؤى المتباينة بين السنة والشيعة فيما يتعلق بمستقبل العراق.هذا داخليًا أما في العيون الإقليمية والدولية فقد تشكل فراغ مغري جراء انكماش داعش تتسابق على احتلاله كل من إيران، وتركيا، والكرد[1].ففي غياب رؤية واضحة لمستقبل العراق يبدو أن مشروع مبادرة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وهي من 29 نقطة لمرحلة ما بعد داعش خطة عمل معقولة حيث تتضمن حلولا أولية، تدعو إلى "تعزيز الجيش وإغلاق مكاتب الفصائل المسلحة، وخروج كل القوات المحتلة بل والصديقة، إن جاز التعبير، من الأراضي العراقية للحفاظ على هيبة الدولة وسيادتها، وإشراف دولي على العملية السياسية في المناطق المستعادة، وتلك المتنازع عليها مع كردستان وفتح حوار مع الإقليم"[2].

وتظهر مسارات الأحداث ما بعد داعش في العراق، بأن الرؤية غير واضحة؛ فما كادت تنتهي حفلة جنون داعش حتى اشتعل في الشمال مشروع جديد قديم لايقل خطرًا على العراق عن مشروع داعش، وهو تقسيم البلاد عبر الانفصال الكردي بعد استفتاء شعبي أيد حكومة كردستان العراق على المضي في عملية الانفصال، حيث يبدوا اليأس من إمكانية وجود عراق موحد أكثر قابلية للتحقق، وتظهر صورة العراق المشتت أكثر وضوحا.حيث يشجع على ذلك أن مؤسسات الدولة منهارة وميزانيتها خاوية، وجماعات مسلحة من مختلف الصنوف هي التي تتحكم بمقدرات البلاد[3]. لقد توترت العلاقات بين الطرفين منذ إجراء الاستفتاء واعتبرته الحكومة المركزية في بغداد غير شرعي. بل وطلب البرلمان العراقي من رئيس الوزراء، حيدر العبادي، إرسال قوات إلى كركوك والمدن الأخرى المتنازع عليها بعد إعلان النتائج الرسمية للاستفتاء، الذي جرى في ثلاث محافظات تتمتع بالحكم الذاتي بإقليم كردستان (أربيل والسليمانية ودهوك)، بالإضافة إلى المناطق القريبة التي يسيطر عليها الأكراد وضمنها مدينة كركوك التي وقعت فيها اشتباكات لفترة وجيزة بين البيشمركة وفصائل شيعية تدعم الحكومة العراقية. فيما يشدد مقاتلو البيشمركة على أنهم جاهزون للدفاع عن المواقع التي تحت سيطرتهم في المدينة ضد أي هجوم من القوات العراقية.

صدام والعبادي والتخلص من العسكر

لايختلف وجه البيئة السياسية والعسكرية في بغداد هذه الأيام عن البيئة التي تشكلت بعد أن انتهت الحرب العراقية الإيرانية في الثامن من أغسطس 1988م، فقد انتصر الطاغية صدام على الإيرانيين بصك قبول الخميني لوقف نار رفضه لثمان سنوات. ومثله العبادي الذي يعتبر تحرير الموصل انتصار له على داعش. كما تتشابه البيئتان بوجود فيالق الحرس الجمهوري لصدام بعد الحرب دون عمل، ومثلها قوات الحشد الشعبي. كما قدر خبراء اقتصاديون كلفة ثماني سنوات من الحرب بأكثر من أربعمائة مليار دولار، فضلا عن كلفة بشرية أهم وهي أكثر من مليون قتيل وأضعاف ذلك من المصابين والمعوقين. كما خلَّفت دمارًا واسعًا في البنية التحتية للبلدين وألحقت ضررًا كبيرًا بالمنشآت النفطية التي هي قوام اقتصاد إيران والعراق.

هذا البأس العسكري في 1988م، وفي عام 2017م، يقابله بؤس سياسي وعدم قدرة على إدارة الأمور . فقد كان كل من صدام والخميني يخشى من جيشه أكثر من أي عدو خارجي محدد، فمثلا خسر العراقيون 600000 قتيل وأكثر من 1000000 جريح بينهم 300000 معوق حرب و250000 أسير و120000 مفقود حسب إحصاءات منظمة الهلال والصليب الأحمر وأكثر من 1300 مليار دولار حسب إحصاءات صندوق النقد الدولي، فيما خسر الإيرانيون 730,000 قتيل، و1,200,000 جريح؛ و2,000,000 لاجئ؛ و45,000 أسير.أما الآن فقد كشف رئيس الوزراء، حيدر العبادي، أن خسائر العراق من جراء سيطرة تنظيم داعش على مناطق عدة في البلاد، وصلت إلى 35 مليار دولار.تتضمن خسائر الحقول النفطية الشمالية، وضياع كميات كبيرة من أسلحة ومعدات الجيش العراقي . وقد قيل قبل عام عن إجمالي الخسائر التي تعرضت لها قوى الأمن العراقية المختلفة، من جيش وشرطة اتحادية إلى مقاتلي الحشد الشعبي، بلغت 11 ألف قتيل ونحو 23 ألف جريح"[4].

لقد كان صدام يعلم أنه إذا انتصر الجيش العراقي في الحرب أو على الأقل بدا أنه انتصر في شيء ما، فقد ينقلب ضده بإظهار أحد لواءاته المنتصرين بصفته «منقذ الأمة» الجديد. فابتكر صدام نظامًا لا يستطيع بمقتضاه اللواءات التواصل مباشرة مع بعضهم البعض حتى في ميادين المعركة القريبة، وفي معركة الحميد على سبيل المثال[5]، حاصر الإيرانيون فرقتين عراقيتين وقضوا على أفرادهما، بينما ظلت فرقتان عراقيتان قوتين جديدتين من دون حركة على بعد عدة كيلومترات في الشمال، وكان السبب هو انتظار القادة للحصول على إذن من صدام في بغداد للانضمام إلى المعركة وإنقاذ زملائهم المحاصرين، وجاء الإذن ولكن بعد ساعات من خسارة المعركة بالفعل. وهي نفس الحالة الآن حيث لاتواصل بين الجيش العراقي النظامي بكوادره البرية والجوية مع قوات الحشد الشعبي الذي يرجع في أوامره وخططه إلى جنرالات إيرانيين أكثر من العراقيين أنفسهم. صحيح أن الجيش العراقي السابق كان رابع أفضل جيش في العالم 1989 م؛ وكان في المرتبة الأولى الاتحاد السوفيتى والثانية أمريكا، والمرتبة الثالثة بريطانيا، والرابعة العراق، والخامسة فرنسا. وكانت وحدات الحرس الجمهوري الخاص من أهم وحدات الجيش العراقي السابق وأفضلها تسليحًا، وتدريبًا[6]. لكن الحشد الشعبي بقدراته على الحروب اللامتماثلة Asymmetric Warfar تجعله بقدرات الوحدات الخاصة بدرجة ما. وقد يستطيع العبادي السيطرة على وحدات الجيش النظامي لأنهم أكثر انضباطًا، لكنه لا يستطيع الاستعانة بهم لكبح جماح الحشد الشعبي لأسباب ليست سياسية وليست لأن الحشد قد حصل على مباركة طائفية كبيرة بل ببساطة لان جنود الجيش النظامي العراقي قد أمضى غالبيتهم الوقت على الحواجز وتفتيش الآليات وليس في محاربة المتمردين على الأرض، مثل كوادر الحشد المعمدين بنار داعش. لذا لا مخرج أمام العبادي إلا بزج كوادر آلته العسكرية سواء من القوات العراقية النظامية أو من الحشد الشعبي في حرب أخرى، ولأن الانتخابات تحتاج إلى رصيد على الأرض بل ومباركة من دول الجوار لذا نتوقع أن يزج العبادي بآلته العسكري في حرب مع البيشمركة إن لم تنصاع لبغداد.

تبعات تطورات العراق على الخليج

إن إضافة مشكلة أخرى إلى المنطقة المتوترة أصلاً ليس في مصلحة الخليج، حيث ستنطفئ النيران العراقية ضد «داعش» لتشتعل ضد الأكراد. لكن ربما يكون الإيجابي في الأمر من وجهة نظر مصلحية هو أن تكون واشنطن قد أوعزت بخطة الانفصال لجذب الحشد الشعبي «لمدايات»المدفعية الكردية المجهزة، فهل سينقاد «الحشد» بدوافع وطنية وأوامر من العبادي أم سينتظر أمر عمليات بتوقيع قاسم سليماني؟[7]

لقد اتفقت الاستجابات المذعورة من طهران وأنقرة وبغداد على ذريعة «دعم وحدة أراضي العراق» ووصفت خطة الاستفتاء بأنها غير مسؤولة. وظهر الخليج أيضًا مرتبكًا وغير موحد، وإن كان الموقف الخليجي المفترض هو:

1-ككيانات صغيرة تؤيد حق تقرير المصير، يتسق انفصال إقليم كردستان وتشكل دول فيه مع قناعاتنا الجيوسياسية الخليجية، فهو مكون من ثلاث محافظات ويمارس الحكم الذاتي منذ 1991م، ويعيش فيه 4.6 مليون نسمة.

2- مرت على الأكراد في العراق الكثير من الأحداث وتتالت دون أن تورطنا معها بالحب ولا بالكراهية، بل إن الأكراد في جيش صدام -من تجربة- كانوا أسهل من تعامل معه الكويتيون أثناء الغزو. لكن هذا التعاطف الخليجي قد يتغير، فالتحول من إقليم إلى دولة قد يكون كالتحول من ثورة إلى دولة وهو مشروع قد لا يتم مطلقاً كما في طهران.

3- من إيجابيات انفصال الأكراد تفرغ بغداد لحل مشاكلها الداخلية، والتركيز على ما تملك من ثروات، وفي ذلك تكرار للسيناريو السوداني الذي ترك الجنوب فتخلص من رئة مصابة.

4- إن تنازع بغداد وأربيل على مناطق غنية بالنفط، وفقدان العراق لها يعني فقرًا مدقعًا وتشكل تجمعات للبؤس في الجنوب خاصة، وعدم الاستقرار في باقي العراق، والذي يعد استقراره استقرار للخليج.

5- لا شك في أن فقدان العراق لكردستان خصم من رصيد العراق الاستراتيجي، وهو أمر إما سيكسر حكومة بغداد ويجفف منابع العدوانية فيها لدول الجوار، وإما سيكون دافعًا للتوسع بجواره الجنوبي لتعويض ما فقد في الشمال.

6-سترفض دول الخليج مبدئيًا فكرة الانفصال وتقسيم بلد عربي، فنحن ضد الانفصال لأسباب وحدوية، فالأسباب القومية قد تبرر انقسامات أخرى لأسباب طائفية، وعرقية، وقد تنظر دول خليجية للانفصال كعامل إيجابي ينشغل به الأتراك والإيرانيون عن أطماعهم في الخليج.

التوازن الاستراتيجي في موقف إيران وتركيا

  هددت تركيا وإيران والعراق باتخاذ "إجراءات" لم تحددها ضد إقليم كردستان العراق، إذا مضت سلطات الإقليم بإعلان الانفصال عن العراق. وأكدت الدول الثلاث في بيان مشترك التزامها بوحدة العراق وسلامة أراضيه و"معارضتها التامة للاستفتاء"، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية التركية[8]. لكن الاستفتاء تم وحتى إن كانت قضية الأكراد قضية عادلة، ولكن الدفاع عنها يقتضي التبصر والحكمة وقراءة المعطيات الجيو سياسية قراءة صحيحة، والامتثال بالخصوص إلى قاعدة أن ما لا يدرك كله لا يترك بعضه. فللاكراد وعي مذهبي بسنيتهم أكثر من وعيهم بتفردهم العرقي، لكن ذلك لم يشفع لهم أمام أنقرة. وفهم طبيعة ميزان القوى بالمنطقة، يبرز أن هناك عدة عوامل تفسر وتبرر هذا الرفض المعلن والشرس للدولتيين المحكومتين بضرورة الحفاظ على أمنهما القومي ضد الحلم الكردي ومناهضتهما [9] له، ومن ذلك :

-يعيد الحلم الكردي إحياء تاريخ مرير مع إيران التي عرفت نشوء أول جمهورية كردية في التاريخ برعاية سوفياتية سنة 1946م، كانت تدعى جمهورية ماهاباد عمرت لمدة 11 شهرًا فقط قبل أن يسقطها محمد رضا بهلوي ويعدم رئيسها في الساحة العامة سنة 1947، تلتها ثورة فاشلة أخرى سنة م1962، فتمرد كردي سنة 1979م، قمعه الحرس الثوري آنذاك، وخلف 10000 قتيلا. أما بالنسبة لتركيا، فيعيد إحياء الصدام العسكري مع حزب العمال الكردستاني. كما تعتبر تركيا وإيران الاستقلال الكردي عن بغداد، تهديدًا لأمنهما القومي، ومنوالاً تنسج عليه تجارب انفصال أخرى فتحركاتهما ليست خوفًا على وحدة العراق بقدر ما هي خوف على وحدتهما. فأكراد تركيا يصل عددهم  10 ملايين كردي، و يمثلون 17 في المائة من السكان، وأكراد إيران، هم العرقية الثالثة ويصلون 7،5 مليون كردي إيراني .هذه الأرقام الديموغرافية التي تفوق عدد سكان كردستان العراق الذي يصل 6،5 مليون.  ولا ترى أنقرة، ولا طهران، أي مسوغ لانفصال الأكراد لأنها جميعها تكفل على الأقل نظريًا حقوق الأقلية الكردية: لأن الطابع الديني لإيران يكتم أنفاس المطالب العرقية لكل القوميات. والطابع العلماني لتركيا كفيل بحجب الاختلافات العرقية، بينما تضمن الصيغة الاتحادية للعراق اندماج الفصيل الكردي مع المحافظة على استقلاله الذاتي، فالمكون الكردي بهذه البلدان. ليسوا بمحتلين أو بمستعمرين من طرف أية قومية أخرى. يضاف إلى ذلك تخوف إيران وتركيا من انبثاق واقع مخالف مع بروز دولة جديدة في المحيط الإقليمي لا يمكن التكهن بدقة بأدوارها، وربما استقواء كردستان بإسرائيل يعطيه معنى عدائيا لمشاريع الأمة العربية والإسلامية. كما تخشى إيران وتركيا ودول كبرى أخرى أن يؤدي نشوء دولة جديدة تقتطع قسرًا من العراق، إلى حدوث حروب قومية، كما تتوجس الدولتان من ارتباطات الأكراد بالخارج وبالقوى الأخرى.

الدور المطلوب من دول مجلس التعاون

يعود امتداد الزمن العسكري والسياسي للقضية الكردية لأمرين، هما فشل العسكرية العراقية منذ قاسم تحقيق حسم عسكري ناجز ونظيف، وليس بإبادة قرى بالأسلحة الكيماوية. وثانيهما، عدم الكفاءة السياسية ببغداد حيث تناقضات مواقف المالكي والعبادي، كإقرار البرلمان بمداولة لا تزيد عن ساعتين شرعية قوات الحشد الشعبي كهيكل تحت مظلة الحكومة لمحاربة «داعش»، بينما يرفض نفس الطلب لهيكل البشمركة العسكري طوال عشر سنوات، رغم أنهم قاتلوا «داعش» وحققوا انتصارات أكثر من الحشد الشعبي. لكن دول الخليج  يقلقها أنه رغم رفض دول الجوار في تركيا، وإيران، وسوريا، والعراق، لفكرة الانفصال، جاء الإعلان الرسمي الذي استبق به رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو نتائج الاستفتاء المزمع إجراؤه في كردستان ليعلن تأييده لاستقلال الإقليم. ولم يأت تصرف نتنياهو بدون مرجعية للقيم الصهيونية، فدعم تل أبيب للأكراد في سعيهم لإنشاء دولتهم المستقلة يعطي المشروعية لوجود دول غير عربية وغير إسلامية في الجوار الإقليمي للصهاينة، ويحقق فكرة تعويم العروبة والإسلام بتكوين الشرق الأوسط الجديد. وما تريده دول الخليج حقًا هو أن تعطي بغداد الأكراد حقهم من النفط والمياه والفرص، ليبقوا جزءاًمن العراق العظيم. فتأييد نتنياهو سبب حرجًا لهم لانتهازيته الفجة. فالخوف أيضًا هو أن تدفع المصالح السياسية جيلاً قادماً من الكرد لم تروضه آلة القمع العراقية لعقود، ولم ير إلا الكالح من وجوه العروبة، إلى انتهاج مسار غير قابل للارتداد، نحو الانفصال، حتى ولو قدم أوراق اعتماده عبر الشيطان نفسه.[10]

الخليج في مسار صدام مع الحشد



بعد «داعش» ستصبح قوات «الحشد الشعبي» البالغة 100 ألف مقاتل و3 ملايين متطوع واحدة من أهم الهياكل العسكرية تأثيرًا على الأوضاع العراقية والإقليمية. وللحشد الشعبي ثقافة مميزة تتخطى مصطلح الثقافة المعروف بالنسيج الكلي من الأفكار والمعتقدات والعادات والاتجاهات والقيم والسلوك،حيث ينتمي الحشديون إلى ثقافة عقائدية تستند إلى الإيمان المطلق بثوابتها، فهم أسرى ثقافة طائفية تاريخية، حيث ارتبط دخول الحشد الشعبي لأية منطقة برايات وشعارات وصور بل وفي إصرار عجيب يرتدون ملابس سوداء وعربات قتال سوداء تناقض التمويه العسكري المطلوب لقتال الصحراء أو المدن، فهي لإرهاب سكان المناطق المستهدفة وتذكيرهم بثأرات تبيح عمليات التطهير الطائفي والعرقي والتغيير الديمغرافي الذي يطال التجمعات التي لا تتماهى مع عقائدية الحشد، فثقافة الحشد الشعبي ثقافة خارجية تتمحور حول كونها وحدة مُجازة دينيًا من معمم يلبس الأسود قبل أن تكون كيانًا متفرّعًا عن الدولة.



وتنتشر في قطاعات الحشد الشعبي الثقافة العسكرية الإيرانية سواء في اتساق الهجوم بالراجمات الصاروخية، أو الهجوم بالموجات البشرية التي طوروها في الحرب العراقية الإيرانية، لوجود المستشارين والضباط الإيرانيين من مختلف الصنوف العسكرية والأمنية وقيادتهم الميدانية وسيطرتهم على حركة مقاتلي الحشد تحقيقاً لتمدد المشروع الإيراني والسيطرة على القرار في العراق. وقد غرست طهران ثقافة أن الحشد الشعبي جزء من المخطط الإيراني التوسعي في الوصول إلى الحدود العراقية مع جوارها الإقليمي، ورصف الطريق الميداني الذي سيسلكه الحرس الثوري لسوريا وتركيا والأردن والكويت ثم الخليج. ولأنه من المستحيل أن تغادر كوادر «الحشد الشعبي» ثقافة محطتها الفطرية لتكوين ثقافة تعايش مع محيطها. لذا من الحكمة عرض صورتها الحقيقية وجعلها عرضة للاغتيال المعنوي ثم الاندثار، حيث لا مجال في الثقافة الحشدية لفهم وقبول الآخر بل الصدام معه كما كان حال «داعش" ومما يزيد الأمر تعقيدًا أن الحشد الشعبي مستمر في التحول لنسخة من الحرس الثوري مباشرة، متجاوزًا حزب الله اللبناني العاجز عن التطور في مجال القوة الجوية مسلطًا «سلاح المقاومة» على رقاب اللبنانيين لضمان حق «متعته» بالثلث المعطل. وللحشد الشعبي قوة برية هي الأكثر قدرة بالعراق، وكان النصر في حرب الموصل جرعة النشوة المعنوية للخروج عن سيطرة المنطقة الخضراء. وبعد أن أصبح الحشد أحد مكونات الهيكل الأمني بشكل رسمي لن يكون بمقدور الحكومة وقف إمداده بالسلاح. ونظرًا لقلة كفاءة «عسكر الحكومة» جراء تحييدهم لسنوات طويلة، سيكون من اليسير تمتع الحشد الشعبي بسلاح الطيران كما تمتع بدبابات ابرامز الأمريكية والهمر وكل سلاح في ترسانة حكومة المالكي. ومكمن الخطر أن العراق في طريق تشكيل قوة جوية فعالة حيث يملك سلاح الجو العراقي 14 طائرة «F-16»، من مجموع 36 طائرة، والتي نفذت قبل شهر لصالح الحشد الشعبي ضربة استهدفت داعش ليس في العراق بل في منطقة البوكمال السورية، كما يملك طائرات الإسناد الجوي الروسية MI28 صائد الليل، وMI35، والسوخوي 25، بل وتسلم العراق 10 طائرات من المقاتلة الخفيفة التشيكية L-159 والتي يمكنها حمل صواريخ جو/جو «سايدوندر» وصواريخ جو/أرض «مافريك» للأهداف الأرضية لعمليات قمع التمرد والعصيان المسلح وتقديم الدعم الجوي للقطعات البرية المتقدمة ومسح الأرض أمام المشاة ومقاتلة واستهداف المروحيات المعادية وإسقاطها، كما وصلت الطائرات المقاتلة الكورية الجنوبية T50iq والبالغ عددها 24 طائرة.



دور دول الخليج

تمر العراق بنفس الظروف التي أعقبت نهاية الحرب العراقيةــ الإيرانية، فبعد تلك الحرب كان صدام عاجز عن إعادتهم للمعسكرات فأرسلهم لغزو الكويت، وهو ما يفعله العبادي حاليًا فقد اقتنص فرصة. حيث لم يعد  «الحشد الشعبي» تحت سن الرشد العسكري القتالي، وإن كان لايزال في حضانة طهران، يدعمه نهج طائفي .

وفيما مضى لم تكن الظروف مهيأة لضبط اتزان طموح الكرد لقيام دول تضم شتاتهم، لكن فكرة الوطن القومي الكردي كادت أن تذبل لغياب ظروف تعطيها الحضور. ثم بدأ تراجع «داعش» منذ أن تقمصوا ثوب الدولة، فالجماعات المسلحة تنتحر كما هو معروف في اللحظة التي يصبح لها عنوان هو بمثابة مركز ثقل يمكن إرسال الصواريخ إليه. ولأن الاستراتيجيات تمقت الفراغ، فقد قفز الأكراد في المساحات الداعشية السابقة بدعم أمريكي، بل ظهر الأكراد وكأنهم الآن ومستقبلاً أهم ورقة في المنطقة. والكابوس الفعلي سيكون من نصيب دول الخليج، بعد قطع حدود تركيا البرية مع الدول العربية عبر الحزام الكردي والمتشكل بحماية غربية، والذي - كما أوضحته خرائط كردستان الكبرى التي يروج لها مركز واشنطن للأبحاث- سيمتد شرقاً من الأحواز المطلة على الخليج مروراً بالعراق وأطراف تركيا حتى يطل طرفه الغربي في إسكندرونه على البحر المتوسط. و صحيح أن كردستان ستكون دولة عازلة، لكن أطماع الكيانات الجديدة عادة لا تتسع لها الأرض، مما يورد قابلية أن تكون جيرة الأكراد أشد وطأة على العرب، فكمية انغماس الأمريكان في هذا المشروع سيجعلها قاعدة غربية، وصديقة لإسرائيل، كما أن ثروات كردستان توازي ثروات الخليج، مما يجعلهم في مرتبة الكيانات المتحدية لنا اقتصاديًا إن لم يكن عسكريًا[11].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مدير مجموعة مراقبة الخليج





[1].محمد العبيدي.العراق بعد داعش … ثلاثة مشاكل كبيرة.كتابات.26 يونيو 2017

http://kitabat.com/2017/06/26/العراق-بعد-داعش-ثلاثة-مشاكل-كبيرة/

[2]. العراق ما بعد داعش: احتلال أمريكي جديد؟قناة العالم .24 فبراير 2017

http://www.alalam.ir/news/1929516/العراق-ما-بعد-داعش--احتلال-أمريكي-جديد؟

[3]. خضر دوملي.العراق بعد داعش يمضي إلى المجهول.قناة NRT. 21يوليو  2017

http://www.nrttv.com/AR/birura-details.aspx?Jimare=6918

[4]. النهار اللبنانية. 19 كانون الأول 2016

https://www.annahar.com/article/511691-بالأرقام-كلفة-بشرية-

[5]. أغرب الحروب الحديثة:كتاب بريطاني عن الحرب العراقية الإيرانية.اورينت نيوز.30سبتمبر 2014م

http://www.orient-news.net/ar/news_show/81561

[6]. المنتدى العربي للدفاع والتسلح. ‏4 نوفمبر 2011.

http://defense-arab.com/vb/threads/47438/

[7]. ظافر العجمي. الجوار يرفض انفصال كردستان.. ما موقف الخليج؟! الوطن البحرينية.14 يونيو  2017

http://alwatannews.net/article/719701/Opinion

[8]. تركيا وإيران والعراق تهدد بإجراءات ضد استفتاء إقليم كردستان العراق.22 سبتمبر 2017

http://www.bbc.com/arabic/middleeast-41356481


[9].   خالد فتحي. لماذا تعارض تركيا وإيران استفتاء كردستان العراق ؟2017/09/20

http://www.alayam24.com/articles-44186.html

[10]. د.ظافر العجمي . الوطن البحرينية. 27 سبتمبر 2017م

http://alwatannews.net/article/735729/Opinion

[11].

 ظافر محمد العجمي.هل يقفز الأكراد في فراغ «داعش»؟ الوطن البحرينية .31 أغسطس 2016

http://alwatannews.net/article/608847/

ليست هناك تعليقات:

Gulf seurity أمن الخليج العربي

Kuwait
تبين هذه المدونة كيف تمتع الخليج بأهمية كبيرة أدت إلى خلق عبء استراتيجي على أهله بصورة ظهرت فيها الجغرافيا وهي تثقل كاهل التاريخ وهي مدونة لاستشراف مستقبل الأمن في الخليج العربي The strategic importance of the Gulf region creates a strategic burden and show a good example of Geography as burden on history. This blog well examine this and forecast the Gulf's near future and events in its Iraq, Iran ,Saudi Arabia ,Kuwait, Bahrain ,Qatar, United Arab Emirates and Oman

أرشيف المدونة الإلكترونية