د.ظافر محمد العجمي –المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج
لو وضعت كلمة «المالكي» في أداة بحث إلكترونية لعادت إليك بنتائج عن المذهب المالكي كأحد مذاهب السنة أكثر من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. وما تلك النتيجة إلا واحدة من جوانب الإيحاءات المضللة التي تلف شخصية رئيس الوزراء الذي لا يناوئ المذهب المالكي فحسب، بل يناوئ بعض القوى الشيعية هناك، ويغير جلده كلما استدار كتغييره اسمه من جواد إلى أبوإسراء إلى نوري! ولعل آخر الإيحاءات المضللة للمالكي إصراره العروبي على لمّ شمل العرب في قمة بغداد الـ23 في 29 مارس 2012، ثم الارتماء في 22 أبريل 2012 -أي بعد أقل من شهر- على صدر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله السيد علي حسيني خامنئي، لينال ثناءه حين قال له: «إن القمة العربية في بغداد وضعت العراق في رأس الجامعة العربية، ورئيس الوزراء رئيسا لهذه الجامعة».
إن استدارة بغداد عن العرب ناحية إيران وهجومها على دول الخليج ليس بالأمر الجديد في مسيرة حكومة المالكي التي تعتبر طهران حليفا استراتيجيا، لكن التضليل كان في الدعوة التي أطلقها المالكي قبيل قمة بغداد وذهب فيها إلى الادعاء بوحدة العراق خلفه واستقراره السياسي، وبأن بغداد أحد أركان النظام العربي، وجزء لا يتجزأ من أمن الخليج، فالاستدارة الاستراتيجية الجديدة للمالكي نحو طهران كشفت أمورا عدة منها:
1- ترحيله للأزمات الداخلية خارجيا باللعب على وتر الطائفية، حيث راح المالكي يسوق في طهران عن حلف خماسي يضع اللمسات الأخيرة لإسقاطه بربيع طائفي يغرق العراق في مستنقع مذهبي. وأعمدة هذا الحلف كما يقول هي تركيا والسعودية وقطر والقائمة العراقية والقيادة الكردية. لكن الحقيقة أن المالكي يعاني داخليا من معارضة شيعية قوية منها المجلس الأعلى والتيار الصدري وطموح للزعامة في صفوف حزب المالكي نفسه. كما أن هناك خلافات مع الأكراد والسنة والتركمان، حيث لخص الجعفري رئيس الوزراء السابق وضع العراق تحت حكم المالكي قائلا: «ألم يعد العراق يتسع للحكيم والنجيفي وعلاوي وبارزاني مع المالكي طبعا! والأزمة الداخلية التي ولدت هروب المالكي خارجيا هي نتيجة فقدان الحكم الراشد أو الحاكمية (Good Governance) في المنطقة الخضراء، والذي لا يمكن أن يتم إلا بفرض القانون والديمقراطية والتعددية والشفافية والمحاسبة الشعبية والحرية وترقية حقوق الإنسان. فكيف يكون الحاكم راشدا وهو يقول لبقايا الصداميين من ضباطه الذين طلبوا الضوء الأخضر لطرد الأكراد خارج أربيل: انتظروا لحين وصول طائرات F16 التي اشتريناها من أميركا لدك معاقل البارزاني في مصيف صلاح.
2- لم ينبس المالكي ببنت شفة حين استنكرت العرب خطاب نجاد بإيرانية جزيرة أبوموسى وفارسية الخليج خلال زيارته المشؤومة لها. لكنه سارع ليفك إيران من أزمتها النووي المستعصية باستعداد العراق لاستضافة محادثات الدول الست (5+1) مع إيران في شأن برنامجها النووي في 23 مايو2012. وهو قرار يدخل في باب النكاية السياسية من تركيا لوصف أردوغان حكومة المالكي بارتكاب أخطاء سياسية تزيد التوتر المذهبي في العراق عبر إقصاء السنة من العملية السياسية. كما أن الاجتماع في بغداد هو تنفيذ أوامر إيرانية لمعاقبة أنقرة بعد نصبها الدرع الصاروخية الأطلسية على أرضها. ووقوفها في معسكر تغيير نظام دمشق. فلماذا غاب البعد الخليجي عن اهتمامات المالكي الإقليمية ولماذا لم يكن له تدخل يخفف علينا غطرسة طهران ولو بنصف جهده الذي بذله لحمايتها من ضربات الغرب!
3- ترجع فجاجة المالكي مع الخليجيين منذ وصوله للسلطة في بغداد إلى دوافع إيرانية، ثم جاءت الأزمة السورية لتتكشف توجهاته لخلق محور طهران بغداد دمشق جاعلا عاصمة الرشيد نقطة الارتكاز فيه، فتصريحاته بُعيد القمة العربية كانت مؤيدة لنظام دمشق بطريقة فجة صرخ عبرها (لن يسقط الأسد) نقيضا للوداعة التي تجلل بها نفسه قبيل القمة وخلالها، في عودة لمنهج التضليل الذي يتسربل به، مما أوصل دول الخليج للقناعة أن المالكي يخدم بإخلاص محور دمشق-بغداد-طهران، وإذا لم يتم أخذ ذلك بعين الاعتبار فسينجح في إطالة عمر نظام الأسد بتفويت فرص الضغط واحدة بعد الأخرى، بل قد يحيل العراق لعمود فقري للدعم اللوجستي الإيراني.
وبحثا عن خاتمة فقهية قد تحد من استدارات المالكي التضليلية التي يتمسك بها من باب البراغماتية السياسية، يمكننا القول إن الضرورات الإقليمية تبيح في الخليج تغيير المالكي؛ لأن التغيير في دمشق -وهو هدف استراتيجي خليجي ملحّ- لن يتم إلا بالاستدارة شمالا وخلق ظروف ربيع عربي بحق يمر على بغداد وطال انتظار أهلنا في بغداد له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق