د.ظافر محمد العجمي -المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج
رغم أننا في الخليج العربي شبه عراة استراتيجياً، فإن الترحيب المبدئي الذي أظهره وزراء خارجية دول مجلس التعاون حيال رغبة واشنطن في إنشاء مشروع درع صاروخية تساهم في حماية المنطقة من أخطار محتملة قد تأتي من إيران، كان ترحيبا مشروطا بما تسفر عنه مناقشة تفاصيله في يونيو 2012م. والدرع الصاروخي الخليجي هو نظام دفاع جوي أميركي يتم فيه بناء شبكات أجهزة الرصد والإنذار المبكر والصواريخ الأرضية لاعتراض الصواريخ البالستية الإيرانية التي تستهدف أراضي دول مجلس التعاون. وقد قام الترحيب المبدئي الخليجي المشروط على اعتبارات توازنات على كفتي الردع العسكري والعبء السياسي ومنها: على اعتبارات توازنات على كفتي الردع العسكري والعبء السياسي ومنها:
1- ليست فكرة الدرع الصاروخي جديدة فقد سبق أن حاولت الولايات المتحدة تسويق فكرة الدرع على الشقيقة الكبرى السعودية، ولم تجد حماسا لتلك الفكرة في الرياض، فتم تعويم المشروع للأفق الخليجي الأوسع.
2- ما زال بعض صناع القرار الخليجي يشكون في جدية الادعاء الأميركي بوجود خطر صاروخي إيراني حتمي على التجمعات السكانية الخليجية بدرجة تساوي تهديد أمن الدولة الصهيونية، ودور تل أبيب وموقعها في هذا النظام الصاروخي. فالخطر الإيراني هو في خلاياه في بعض شوارع الخليج.
3- كانت ردة الفعل الإيرانية قول وزير الدفاع وحيدي من أن الدرع مشروع صهيوأميركي وكل من يشارك فيه يلعب لعبتهم، ثم نصح الخليجيين بعدم الدخول في اللعبة. وهي نفس ردة الفعل الإيرانية ضد كل المشاريع الأمنية الخليجية منذ قيام مجلس التعاون حتى الدعوة للوحدة الخليجية مؤخرا، ما ينبئ بجولة مماحكات سياسية جديدة مع طهران.
4- لقد اتسم النصف الثاني من القرن الماضي بالمشاريع الصاروخية الأميركية الصاخبة، فمن أزمة الصواريخ الكوبية إلى أزمة الصواريخ الكورية إلى أزمة إزالة الصواريخ السوفيتية والأميركية متوسطة المدى، إلى أزمة الدرع الصاروخي في بولندا والتشيك ثم أزمة الدرع الصاروخي في تركيا. فهل يخلق الدرع والانعكاسات المترتبة عليه مناخا شبيها بأجواء الحرب الباردة، ويكون الخليج مسرح السجال الغرائزي الجديد بين إيران وتكتل روسيا والصين في مواجهة أميركا، فروسيا ترى الدرع امتدادا للدرع الصاروخي الموجه لها وليس موجها ضد إيران فحسب.
وفي العادة لا يخلو التسويق الأميركي للأنظمة الدفاعية التي تصنعها من عقيدة جاكم الذيب «Cry wolf» وضرورة خلق أجواء توتر وتسخين وترويج لتبعات الانكشاف الذي نعانيه. وفي الوقت نفسه تحطيم خطط قيام أي نظام أمن خليجي جماعي لا يعتمد عليها، ما يجعلنا في قضية الدرع الصاروخي الخليجي أمام أمرين:
1- في مارس 1983م أعلن رونالد ريغان مبادرة الدفاع الاستراتيجي «Strategic Defense Initiative» لصد الصواريخ السوفيتية وعرفت بحرب النجوم، ولعجز الاتحاد السوفيتي عن مجاراتها، وانكشافه أمام الهجوم الأميركي، فقد وجد ميخائيل غورباتشوف في 1991م أن الأفضل هو تفكيك الاتحاد السوفيتي بدل إهدار الأموال على برنامج دفاعي مضاد. وما نريده في الخليج هو نظام له روح حرب النجوم وقادر على إيصال الخصم إلى حافة اليأس بدل أن ترفع السيدة كلينتون لوحة أميركية جديدة على أنظمة دفاع جوي قديمة نملك معظمها ولن تتعدى صواريخ الباتريوت بتطويراته الثلاثة.
2- بإمكان دول الخليج التملص من الإلحاح الأميركي، والعودة إلى إتمام ما بنيناه حتى الآن في مجال نظام الأمن الجماعي الخليجي «Collective security» الذي بشر به المؤسسون الأوائل، فلدينا حزام التعاون لربط مراكز عمليات القوات الجوية والدفاع الجوي بدول المجلس آلياً، ولدينا الاتصالات المؤمنة لربط القوات المسلحة في دول المجلس بشبكة اتصالات مؤمنة بخط ألياف بصرية. وتملك دول مجلس التعاون نظام باتريوت « MIM-104 Patriot» وهو عماد نظام الدفاعي الصاروخي الذي تبشرنا به هيلاري كلينتون. بالإضافة إلى نظام الدفاع الصاروخي ثاد «THAD» وغيره الكثير. كل هذه الأنظمة تدعمها الاستراتيجية الدفاعية الخليجية الشاملة التي تمت الموافقة عليها في قمة الكويت 2009م بحيث حددت الأهداف العليا لدول مجلس التعاون بما تشمله من خطط تنموية، ثم وضعت خططا لبناء قدرات عسكرية لحماية هذه الأهداف العليا التي تضمن التقدم والازدهار لدول الخليج العربي.
في منتدى التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي الذي عقد في الرياض 31 مارس 2012م عرضت وزيرة الخارجية الأميركية مشروع الدرع الصاروخي الخليجي. كما أطلعت الخليجيين على انفتاح دبلوماسي مع طهران يتمثل في استئناف المحادثات حول البرنامج النووي الإيراني في 13 أبريل الجاري. فهل مشروع الدرع ورقة ضغط جديدة نتحمل كلفتها بالمال إن تمت وبالتقريع من طهران إن لم تتم؟ لنتذكر قبل اجتماع يونيو القادم أن من أسوأ الأمور أن تشتري بضاعة مصفوفة في أرفف من المغالطات.
هناك تعليق واحد:
يارب سلم سلم
إرسال تعليق