د.ظافر محمد العجمي \المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج
في مشهد عريض سنحت لي الفرصة لأرى الزلزال السياسي الذي انتشرت صدوعة في شوارع طهران والمدن الايرانية لاخرى. فقد شاهدت مظاهرات بمناسبة الاحتفال بمرور أربعين يوما على سقوط المتظاهرين في قم. وشاهدت تظاهرات دينية عنيفة في تبريزحيث قام رجال الدين الاصلاحيون بدخول الساحة وعارضوا النظام القائم، كما شاهدت رجل طهران يقول بجلافة: لا احد يمكنه الاطاحة بي،تدعمني غالبية الشعب وكل العمال وسبعمائة الف جندي .كما رأيت إحراق سينما (ركس) في مدينة عبران وسقوط أربعمائة قتيل . وقرأت تأكدت سي.أي.ايه بأن ايران "ليست في وضع ثوري ولا حتى في وضع ماقبل ثوري" . وفي مشهد آخر اجتمع بضعة آلاف من الأشخاص في ساحة جاله في طهران . لكن التظاهرة منعت وأطلق الجنود الرصاص وسقط عشرات القتلى. وشاهدت تظاهرات في أكثر من أربعين مدينة. واضراب 30 ألف عامل. والمطالبة بالغاء القانون العرفي واطلاق سراح السجناء السياسيين. ثم التوقف شبه الكامل لاكبر مصافي البترول الايرانية. وفي المشهد الاخير من الكوميديا السوداء قرأت سطر يقول فيه بطلها محمد رضا بهلوي : من أين يأتي هذا العصيان وهذا الاضطراب ؟ من هو المحرّض عليهما؟ من يدير هذه المعارضة؟ من أطلق هذه الحركة الدينية؟
تلك كانت ولادة الثورة الاسلامية في ايران في كتاب " من بلاط الشاه إلى سجون الثورة" لمؤلفه عالم الاجتماع والمؤرخ الايراني إحسان نراغي. وقد مضى على نشره 10 سنوات. وقراءة ذلك الكتاب مؤلمة وسوداوية . ففي الجزء الاول نقف أمام طاغية ينهار حتى ان نراغي قد نجح بشكل كامل في جذب تعاطفنا مع الشاه محمد رضا بهلوي ،حيث يظهر كرجل يقوده الى الهاوية أمران ،أولهما عناده وصلفه ، وثانيهما "سحن قاتمة لمتزلفين عديمي الذمة وصعاليك يستحقون الشنق " كما وصف فريدريك مايور الذي كتب مقدمة الكتاب الحلقة المحيطة بالشاه . وفي الجزء الثاني يتحدث نراغي عن تجربته في سجن "نيفين " الرهيب وكيف سقط بازرقان وبني صدر ومنتظري وغيرهم .
في كتاب إحسان نراغي نجد احداث تحتفظ بكامل صلاحيتها لتكرار نفسها، ومن سماتها صعوبة التغير في ايران ، فما زال هناك نظام في طهران كنظام الشاه يجهد نفسه لاحتلال الصدرة في المجتمع الدولي، ولا يرى من الاخطار المحدقة به إلا الاتي منها من الخارج على شكل تحد لعظمة فارس، سواء كدولة عظمى فى الشرق الاوسط باسلحتها التقليدية كما اراد الشاه، او كدولة نووية كما يريد نجاد. وفي كلا الحالتين لم يكن النظام قادرا على أن يتنبه الى ان الخطر ضده يأتي من الداخل.
ومن السمات الاخرى التهام النظام قبل 30 عاما لرجاله بشهية كبيرة ، فقد غيبت الاحداث بشكل غير منصف رئيس الوزراء شهبور بختيار،و رئيس الوزراء مهدي بازركان ،و رئيس الوزراء ابو الحسن بني صدروغيرهم كثيرين. وهاهي الاحداث المحتفظة بكامل صلاحيتها تكرر نفسها مع رجال عاشوا في بلاط سماحة الامام الخميني، فقد دعا عباس واعظ طبسي، ممثل مرشد الثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي لإعدام زعماء المعارضة في بلاده واعتبرهم أعداء الله. فتم اعتقال المعارض ابراهيم يزدي أول وزير للخارجية بعد الشاه. وحين توفي المرجع الديني حسين علي منتظري أكبر المعارضين أصدرت السلطات قرارا بمنع نشر صوره ونبأ وفاته،واقامت نقاط تفتيش لمنع دخول الإصلاحيين إلى العزاء، كما باشرت الحكومة في مضايقة رفسنجاني، وخاتمي، وموسوي، وكروبي، تمهيدا لارسالهم الى المعتقلات او الاقامة الجبرية كما حصل لمنتظري .
لقد خلص إحسان نراغي أن رجال الدين استطاعوا الاستحواذ على المفاصل الحياتية في ايران،ويبدوا ان الرئيس محمود أحمدي نجاد قد وصل الى ان ازاحتة لن تتم إلا برجال دين آخرين قابعين في تلك المفاصل،وعليه،فلن يتردد في اصابة مفاصل الحياة الايرانية بالشلل إن كان ذلك هو السبيل الوحيد لاخراجهم منها .
إن استرجاع ذكريات الاحداث التي مثلت لحظات تحول في حياة الشعوب الايرانية كما صورها نراغي تظهر ان الشاه رغم هيكله الامبراطوري الزائف كان يحمل هم الموجات العارمة من الغضب الشعبي، حيث كان سؤاله الاول لاحسان نراغي في كل لقاء هو (كيف ترى الوضع منذ لقاءنا الاخير،هل تستطيع ان تشرح لي سبب هذه الاضطرابات ؟) يقول ذلك رغم وجود قسم في جهاز السافاك الاستخباري الرهيب تحت أسم (مكتب استياء الشعب ) لكن عملاء المكتب كما قالوا لنراغي في السجن لاحقا "كلما تقدما في تحرياتنا اصطدمنا بقائدنا وهو يقول لا تضعونني في ورطة، فالشاه يحب من يبشره لا من ينذره . فهل يستطيع الرئيس محمود أحمدي نجاد الاقتناع بضرورة ازالة المطلقية عن يقينية أجهزة الاستخبارات الايرانية التي تهون عليه الامر ؟
وفي سبيل تنصيب نفسه رمزا وطنيا، انتبه نجاد لذلك الامر ، فصار يوم 29 ابريل من كل عام في التقويم الايراني يعرف (باليوم الوطني للخليج الفارسي.)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق