د. ظافر محمد العجمي/
المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج
حين لم تكن الظروف مهيأة لضبط اتزان طموحهم بقيام دول تضم شتاتهم، ارتبط اسم الأكراد بالكثير من الضجة والقليل من التقدم، حتى كادت فكرة الوطن القومي الكردي أن تذبل لغياب ظروف تعطيها الحضور. ثم بدأ تراجع «داعش» منذ أن تقمصوا ثوب الدولة، فالجماعات المسلحة تنتحر كما هو معروف في اللحظة التي يصبح لها عنوان هو بمثابة مركز ثقل يمكن إرسال الصواريخ إليه. ولأن الاستراتيجيات تمقت الفراغ، فقد قفز الأكراد في المساحات الداعشية السابقة بدعم أمريكي، بل ظهر الأكراد وكأنهم الآن ومستقبلاً أهم ورقة في المنطقة. حيث يبدو أن هناك إرادة غربية بتشكيل دولة كردستان وإتمام «سايكس - بيكو». وقد أيقنت أنقرة ذلك، فكان التقارب الإيراني التركي الأخير، فالأكراد هم المؤثر الأول في العلاقات التركية الإيرانية والتركية الأمريكية، ثم العلاقات السورية التركية، حيث سمعنا الحديث عن تجرع تركيا لبقاء الأسد ولو مرحلياً. ثم في فجر 24 أغسطس بدأ الجيش التركي عملية «درع الفرات» لوقف الأكراد، بل أن «الحشد الشعبي» العراقي لم يتوقف عن اختلاق الذرائع بتوجيهات إيرانية لتحاشي مواجهة الأكراد. لقد كان تنظيم «داعش» خطراً كبيراً عابراً على العرب، في حين أن الأكراد خطر دائم، ولعل خير مؤشر على خطورة الكرد تلك التحركات التركية المرتبكة بين طهران وموسكو، منذ اقترابهم من الحسكة، حيث تراجعت كما يبدو أهمية تحجيم الاكراد كمتفق أولي بين سوريا وتركيا وإيران والعراق، واستبدلت بالتفاهمات حول مستقبل تحرك الأكراد. ولم تعد كردستان الكبرى كابوس لنفس الدول التي حاربتها منذ قرن، فالكابوس الفعلي سيكون من نصيب العرب ودول الخليج، بعد قطع حدود تركيا البرية مع الدول العربية عبر الحزام الكردي والمتشكل بحماية غربية، والذي - كما أوضحته خرائط كردستان الكبرى التي يروج لها مركز واشنطن للأبحاث - سيمتد شرقاً من الأحواز المطلة على الخليج مروراً بالعراق وأطراف تركيا حتى يطل طرفه الغربي في إسكندرونه على البحر المتوسط. * بالعجمي الفصيح: صحيح أن كردستان ستكون دولة عازلة، لكن أطماع الكيانات الجديدة عادة لا تتسع لها الأرض، مما يورد قابلية أن تكون جيرة الأكراد أشد وطأة على العرب، فكمية انغماس الأمريكان في هذا المشروع سيجعلها قاعدة غربية، وصديقة لإسرائيل، كما أن ثروات كردستان توازي ثروات الخليج، مما يجعلهم في مرتبة الكيانات المتحدية لنا اقتصادياً إن لم يكن عسكرياً.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق