د. ظافر محمد العجمي
*المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج
في مدينة براغ التشيكية، ولمقاومة الغرق في ثلاثين جلسة عن الأمن الإقليمي، تسللت خفية لشوارع وطرقات تلك المدينة الساحرة، وحين تهادى لأذني أزيز ثرثرة لطيفة باللغة السلافية التشيكية؛ التفت لفتاة تسير خلفي مع صويحباتها مستفسراً عن سر جمال مدينتهم، فقالت التي تشبه شمس النهار: لقد حافظ عليها «هتلر» من الدمار ليقيم فيها العروض العسكرية احتفالاً بالنصر الذي لم يحققه. وفي الوقت نفسه وعبر تطبيق «واتساب» كانت تتسلل إلي لقطات موجزة تصور التدمير مدينة حلب السورية أكبر مدن بلاد الشام وأقدم مدينة في العالم. والتي يبدو أنها لم تثير الاهتمام المناسب لدى حسناوات براغ. وفي طريق العودة للكويت شاهدت على الطائرة فيلم غرونيكا «Guernica»الذي يصف مجزرة حدثت في المدينة الباسكية الصغيرة بإسبانيا 1937م ونفذ فيها فيلق النسور الألماني» Condor Legion» أول تطبيق لعقيدة القصف المرعب «terror bombing» التي تبناها سلاح الجو النازي ببقية المدن الأوروبية. في تلك الفترة الزمنية كان يتسكع في باريس الإسباني بيكاسو»Picasso» محاولاً أن يصبح رساماً رغم أنه لا يعرف كيف يرسم، ففر لأشكال الرسم التي لا تحتاج موهبة، فكان سريالياً، ورمزيا وتكعيبياً، بل إن فشله في بيع لوحته جعله من الفاقة يرسم باللون الوحيد المتوفر في غرفته، فرسم بالأزرق، حتى نفذ ثم رسم بالوردي حتى نفذ. ثم جاء الفرج جراء مجزرة غرونيكا. ورغم أنه لم يمت في تلك المدينة إلا مائة شخص فقط!! إلا أن بيكاسو نجح بالأسلوب الفني المناسب واختيار المكونات أن ينقل فاجعة مجزرة غرونيكا إلى الضمير الإنساني في كل مكان بلوحةٍ رائعة حملت اسم المدينة الباسكية وسالت منها جروح وصرخات أطفال ونساء ورجال وخيول ومواشي شوارعها في لحظات الاحتضار. ولتعبر باحتجاج فني مسالم على فظائع وحشية فرانكو وهتلر. صحيح أنها لم توقف المغامرة النازية المدمرة، لكنها وثقت جرح غرونيكا كمرجعية للضمير الإنساني للاحتجاج والصرخة بوجه الوحشية. وصارت أشهر لوحة في القرن العشرين وتم تتويج بيكاسو بدوافع –ربما - صهيونية كأعظم فنان في القرن الماضي.
بالعجمي الفصيح:
في بلادنا لم تغادر الفنون محطتها الفطرية، ولم يؤذن لها بدخول العالمية، وحتى يأتي ذلك الفنان العربي الذي يحرك الضمير الإنساني ؛ستبقى حلب مرسومة فقط على خرائط ضابط اختيار الأهداف في مركز العمليات الجوية الروسية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق